الإثنين 13 يونيو 2016 / 20:44

كلثوميات رمضانية

"القلب يعشق كل جميل"
جلبة مفاجئة في مجلس الرجال الذي كان هادئاً قبل برهة برغم اكتظاظه برواده المعتادين من سكان حينا القديم، نهوض جماعي لتحية الضيف الجديد الذي لم أميز فيه سوى طول لحيته وقصر ثوبه مقارنة بالآخرين. افسح له صدر المجلس وبوشر الترحيب والتهليل لمقدمه من الجميع.

 عندما سألت والدي عن هذا الشخص، أجابني بأنه إمام مسجدنا الجديد، غادرنا الإمام السابق عائداً لبلده العربي لظروف مفاجئة، وبقي مكانه شاغراً لبعض الوقت. كان مدير مدرستي الأستاذ جمعة، ومدرس الرياضات الأستاذ كمال، من حضور المجلس العامر، ولكنهم كانوا متساويين مع بقية الحضور، ففي المجلس شخصيات أخرى تعمل في وظائف مميزة، ولكن المجلس كان ينظر لهم كأسنان المشط. أصبح في مجلسنا بطل جديد يقدره الجميع، بعد أن بقي هذا المنصب فترة من الزمن منتظراً من يستحقه.

" واللي صدق في الحب قليل، وإن دام يدوم يوم ولا يومين".

في الفترة بين غياب إمام وقدوم إمام جديد، كان يأمنا في الصلاة شخص مختلف كل يوم من سكان الحي، لم تنقص صلواتنا مقدار ركعة ولا انتكست وفود القادمين لمسجدنا بسبب غياب الإمام. فور تولي الإمام الجديد لمنصبه، لاحظت تغيراً في رسالة المسجد، لم يعد الإمام يطمئن على أحوال سكان الحي إن غاب أحدهم، أو يتحدث بالسر إلى بعض المقتدرين المصلين عن حاجات أهالي الحي المتعففين، كل ما كان يرجوه هو مزيد من التبرعات لإخوان لنا يقاتلون على بعد ألوف الأميال، أو تأييد شامل لدعواته المتواصلة إلى فتح باب الجهاد أمام شباب الحي. اختفى الإمام هو أيضاً بعد عام واحد، وأخبرنا أحد معارفه بأنه يعيش الآن في قصر مشيد بناه من تبرعاتنا.

" أنا اللي أعطيتك من غير ما تتكلم".

توالت سنون حياتي فلاحظت أن حياتنا تدور حول هذه الحقيقة، إن أردت مكانة مميزة في مجتمعنا، فما عليك إلا إبراز تدينك للآخرين، ستغفر زلاتك مهما عظمت وستمجد أفعالك مهما كانت طبيعية، اطلب ما شئت وستجد من يلبي طلباتك وكأنها أوامر إلهية، طالما تحدثت باسم الله فسيصدقك عباده، لا تهمهم أفعالك كثيراً، أكثر من قول قال الله وقال الرسول وستغشى عيونهم بنورك المقتبس من عظمة المنقول عنه.
" كنت ابتعد عنه وكان يناديني ويقول مصيرك يوم تخضع لي وتجيني".

منذ أن رفعوا القرآن على رؤوس الرماح تعاظم الخبث، لم يعد بمقدور الكثير نفيه، لقد أدركوا الحقيقة الشيطانية، من أراد سلطاناً فالدين وسيلته، ومن أراد كسباً فالدين صنعته، ومن أراد الوجاهة الاجتماعية فالدين مسنده، باعوا إيمانهم بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين.
" يا ليت حبابيبنا ينولوا ما نلنا يا رب، يا رب توعدهم يا رب واقبلنا".

متى سنعود لإسلام ما قبل "ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"؟ الإجابة بسيطة يا سادة، عندما يترك صدر المجلس للأستاذ جمعة والأستاذ كمال، وعندما نوقر الطبيب وإن قصرت لحيته ونشكر التاجر الأمين وإن طال ثوبه. عندما نوقن بأن عيناً باتت تحرس في سبيل الله أفضل ألف مرة من صوت بات يدعو إلى الله آمناً في مسجده وبأن عقلاً يدعوكم إلى تقبل الآخرين أفضل من زعيق يدعو إلى إفنائهم. عندما ندرك بأن وظيفة إمام المسجد هي وظيفة مدفوعة الأجر، وبأنها مساوية في منزلتها لبقية الوظائف وقتها ستكتمل الدائرة وسنعود للنقطة التي انطلق منها الإسلام، بريئاً من المنتفعين منه وأصيلاً في مقصده ورسالته.