الأربعاء 22 يونيو 2016 / 12:30

أبعد من البركزيت...مصير الإتحاد الأوروبي كله في خطر

هل يكون استفتاء بريطانيا على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه يوم الخميس المقبل، نقطة تحول تشهد بداية انهيار الاتحاد الأوروبي؟

يبدو على الأرجح أن الرأي العام البريطاني سوف يصوت لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وذلك بغالبية لن تقل عن 55%، ويعتمد هذا التحليل على بيانات وبحوث أجريت قبل بداية الحملات، ويعكس صورة أكثر استقراراً للرأي العام،

هذا هو السؤال الذي طرحه الأكاديمي ستيفن ماكغلنتشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة غرب إنجلترا، في مقال نشرته مجلة ناشونال انترست الأمريكية، لافتاً إلى أن الجدل الدائر حول البركزيت ترك تصدعات عميقة داخل حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، وجعل المجتمع البريطاني منقسماً بعمق حول قضايا مثل الهجرة والرعاية الاجتماعية والانفاق العام والأمن، ولكن القضية الجوهرية الأكثر إثارة للجدل، لم تناقش حتى الآن وتتعلق بمصير الاتحاد الأوروبي ذاته.

استطلاعات غير دقيقة
ويوضح الكاتب أن غالبية التغطية المتعلقة بالاستفتاء، إن لم يكن كلها، تدور حول حملات "خروج" أو "بقاء" بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، ويتزاحم الخبراء والرموز لعرض وجهات نظرهم إزاء هذه القضية، كما تتزايد التقارير حول نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن المعسكر المؤيد لخروج بريطانيا يتقدم في الوقت الراهن.

ويشكك الكاتب في نتائج تلك الاستطلاعات التي فشلت مؤخراً، بصورة ذريعة، في توقع النتائج الفعلية للانتخابات العامة البريطانية. وفي حالة إجراء استفتاء من هذا القبيل بين نسبة كبيرة من السكان المترددين الذين يتأثرون بالأخبار اليومية، فإنه من غير المحتمل أن تقدم بيانات استطلاعات الرأي، صورة دقيقة عن النتيجة النهائية.

الخوف من المجهول
يقول الكاتب: "يبدو على الأرجح أن الرأي العام البريطاني سوف يصوت لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وذلك بغالبية لن تقل عن 55%، ويعتمد هذا التحليل على بيانات وبحوث أجريت قبل بداية الحملات، ويعكس صورة أكثر استقراراً للرأي العام، كما يفترض أيضاً أن الغالبية العظمى من الناخبين المترددين سيقومون في يوم الاقتراع بالتصويت لصالح البقاء؛ بدافع الخوف من المجهول والغريزة الفطرية لتفضيل الأمن والطمأنينة".

ويلفت الكاتب إلى أن التصويت لصالح البقاء، يعني تجنب أي غموض حول مستقبل حزب المحافظين الحاكم، وتعزيز ولاية رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ووجوب تراجع الجناح المشكك داخل حزب المحافظين إلى المقاعد الخلفية.

وعلى جانب آخر، ستكون بداية نهاية حزب استقلال المملكة المتحدة؛ إذ إنه لم ينجح حتى الآن في أن يصبح حزباً يصل إلى ما هو أبعد من مجرد إثارة قضية سياسة واحدة، ومن المتوقع أن يشهد الحزب تقلبات في الجولة المقبلة من الانتخابات المحلية والأوروبية، وتصل إلى ذروتها في فقدان تمثيله الهامشي في مجلس العموم في الانتخابات العامة المقبلة.

مصير الاتحاد الأوروبي
وبعد تناول القضايا المحلية داخل بريطانيا، يطرح كاتب المقال التساؤل المحوري: "ماذا عن مصير الاتحاد الأوروبي؟" ويجيب قائلاً: "أياً تكن نتيجة استفتاء يوم الخميس، فإنه من غير المرجح أن تتم تسوية قضية الدول الأعضاء التي تسعى إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي. وثمة احتمال وارد بقوة أن تحاول الدول الأعضاء الأخرى إجراء استفتاءات على نسق بريطانيا".

ويفسر الكاتب أن بعض الأزمات، مثل أزمة الهجرة ومن قبلها الأزمة المالية في منطقة اليورو، أدت إلى تفاقم اتجاه متقلب ومتشكك إزاء الاتحاد الأوروبي وانتشاره على مستوى الرأي العام في جميع أنحاء القارة الأوروبية، ويزداد الأمر سوءا مع استمرار أزمة المهاجرين وإشكالية النمو الاقتصادي في الاتحاد، فضلاً عن سياسة الاستقطاب السائدة في الأنحاء الأوروبية كافة.
  
استفتاء اليونان
ويتوقع الكاتب أن يدعو الرئيس اليوناني إلى إجراء استفتاء حول بقاء اليونان أو خروجها من الاتحاد الأوروبي؛ حيث أن الاقتصاد اليوناني يعاني من حالة شلل، ولكونها عضواً في منطقة اليورو، تفتقر اليونان إلى بعض الأدوات النقدية التي كان يمكن أن تكون تحت تصرفها.
وربما يتم طرح فكرة "بقاء اليونان أو خروجها من الاتحاد الأوروبي" مرة أخرى على جدول الأعمال، وهو الأمر الذي سيكون له، على الأرجح، تأثير أكبر على الاتحاد الأوروبي مقارنة مع احتمالية خروج بريطانيا؛ بسبب عضويتها في منطقة اليورو (بريطانيا ليست عضواً في منطقة اليورو)، إضافة إلى الاستثمارات الهائلة التي ضخها الاتحاد الأوروبي من أجل إنقاذ اليونان.

ويضيف الكاتب: "مثل هذه القضايا السامة، مثل الوضع في اليونان حيث الاقتصاد في حالة يرثى لها وارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 20%، تجعل البركزيت أشبه بصخب هامشي، ناهيك عن أنه يتم قبل تفحص الإشكاليات الهيكلية المهمة في اقتصادات دول مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وكل الدول الأعضاء في منطقة اليورو".

تفكك منطقة اليورو
ويعتقد الكاتب أنه في أعقاب استقرار الأمور بعد الانتهاء من استفتاء بريطانيا سيتم، على الأرجح، إثارة الجدل حول القضية الحقيقية القائمة وهي احتمال تفكك منطقة اليورو، وربما أيضاً تقليص حجم الاتحاد الأوروبي نفسه من حيث العضوية أو الكفاءة أو الاثنين معاً. ويتطرق الكاتب إلى قضيتين رئيسيتين وهما:

معاهدة جديدة للاتحاد الأوروبي
أولاً: ثمة إشكاليات هيكلية تتعلق بالوحدة النقدية، ولن يتم حلها إلا من خلال الوصول إلى مقدار أعمق من التكامل، ولكن حتى إذا توافرت الإرادة للقيام بذلك، تبرز الحاجة إلى معاهدة جديدة للاتحاد الأوروبي، ولا يزال الأمر غير واضح بشأن مدى إمكانية تحقيق ذلك. وعلاوة على ذلك، فإن التوقعات الاقتصادية لأوروبا ليست قوية، وتبدو إغراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي قوية بالنسبة إلى الدول، خاصة إذا استمر انخفاض الاتجاهات مع الوضع الراهن.

أزمة اللاجئين والسوق الموحدة
ثانياً: أثارت أزمة اللاجئين جدلاً مفتوحاً حول إحدى الركائز الأساسية للسوق الموحدة، بمعنى حرية حركة الأشخاص في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي (مع بعض القيود الطفيفة في بعض الحالات). وعلى الرغم من التطرق إلى ذلك في المناقشات الدائرة حول "البركزيت"، فإن القضية الأكبر لا تزال جرحا مفتوحاً في المشروع الأوروبي وربما تقود إلى انهياره في نهاية المطاف. ويبدو أنه في حال غياب تحقيق تكامل أعمق لسياسة "السوق الموحدة" على نطاق واسع، وهو أمر مستبعد حدوثه للغاية، فإن الحل سيكون في إلغاء جوانب هذه الركيزة الأساسية للاتحاد الأوروبي، من أجل مواجهة الغضب الشعبي والتيارات السياسية المعاكسة.

بداية الانهيار
ويختتم المقال بأنه بغض النظر عن النتائج النهائية للاستفتاء، فإن التداعيات الحقيقية تتجاوز حدود بريطانيا؛ حيث أن بريطانيا دولة عظمى ذات اقتصاد قوي، وعندما تهدأ الأوضاع، سوف تسير أمورها على ما يرام سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه. والواقع أن الاتحاد الأوروبي هو الذي يواجه مجموعة خطيرة من التحديات، وفي سبيل مواجهتها يحتاج المشروع الأوروبي إلى وجود لاعب رئيسي مثل بريطانيا لكي تكون الحلول المستقبلية للمشاكل الوجودية قوية ومدروسة جيداً، وبخلاف ذلك، ربما يكون "البركزيت" بمثابة نقطة تحول تشهد بداية انهيار الاتحاد الأوروبي.