السبت 25 يونيو 2016 / 21:38

حكمة الكبار

الصحراء هي من تمنح الحكمة للذين وطأوا رمالها وتنفسوا هجيرها .. إنها تختارهم بعناية ثم تعلنهم أبناء بررة بها .. امرؤ القيس الشاعر المتدفق مثل نهر جارف حينما كتب معلقته الشهيرة التي مطلعها (قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ .. بسقطِ اللوى بين الدخولِ فحوملِ) لم يكن يعلم بأنه كتبها على البحر الطويل .. الفراهيدي مكتشف الأوزان الشعرية بعصره المتأخر عن عصر امرؤ القيس الجاهلي صنف موسيقى القصيدة ووضعها ضمن خانتها ومسماها .. من الذي مكّن أمرؤ القيس من أن يكتب قصيدته وفق ايقاعها وعدد تفعيلاتها دون أن يعرف شيئا عن الوزن الشعري ؟. إنها الفطرة أو السليقة التي منحتها له الصحراء .. الصحراء الآهلة بتأملات الفلاسفة والشعراء ذلك التأمل المضني الذي يمسح عن جبين المخيلة عرق الالتباس والتحدي فتشرق عندئذ المعرفة بكل أضوائها المبهرة ..

حين سئل أبو العلاء المعري من الشاعر في هؤلاء الثلاثة المتنبي أم البحتري أم أبو تمام قال المتنبي وأبو تمام حكيمان والبحتري الشاعر ... الشعر والحكمة كثيرا ما يلتقيان في النفس المبدعة ..

عندما نتحدث عن المغفور له الشيخ زايد الإنسان والقائد فإننا نتحدث عن الإبن البار للصحراء التي منحته الشاعرية والحكمة معا فكرِّمها حين حولها الى وطن مشع بالجمال ..

من الصعب الحديث عن الشيخ زايد الشاعر دون الحديث عن الشيخ زايد الحكيم والقائد وقبل الشعر والحكمة والقيادة يجب أن نقف بإجلال أمام الشيخ زايد الإنسان المليء بالمحبة والعاطفة .. المحبة بكل ما فيها من مروءة .. والعاطفة بكل ما فيها من دفء ..

عندما كانت عصاه ترسم ملامح الوطن على الرمال كان يكتب قصيدته الأثيرة .. تلك هي القصيدة التي تحولت أبياتها الى شوارع وحدائق وأبنية وبشارات وزهو وإلفة وعمل وارادة وأخلاق ومثابرة وتضحية .. إنها الإمارات قصيدة عمره التي لا ينافسه على كتابتها أحد ..

في إحدى مرثياتي له رحمه الله قلت :
أيَــا رَاحِــلاً لـمْ يُـغــادِرْ مَـكــانَـهْ
وَيَــا فـارسَـاً لـمْ يُـهَـدِّلْ عِـنـانَــهْ
لــنــا أعــيُــنٌ تـتـمـنـَّى لِـقــــــاه
وأيـــدٍ لـنـا تـتـمـنـَّى احـتـضـانَـهْ
مِـن َالصَـعْـبِ تِـكــرَارُ أمـثـالِـهِ
ومَحظوظ مَنْ عَاشَ يوماً زمانَهْ
رحم الله زايد الانسان والقائد والحكيم والشاعر ..