الإثنين 27 يونيو 2016 / 19:22

سيرك الإستفتاء البريطاني والعرب

بريطانيا أول دولة وطنية في التاريخ الحديث، على وشك أن تتفكك. هكذا أعلنها بفخامة أحد دكاترة العلوم السياسية العرب، وارتفعت الأصوات في الإعلام الاجتماعي العربي مطالبة بأن تتم دراسة نتائج الإستفتاء البريطاني علينا، مثل انخفاض أسعار العملات أو هجرة البنوك والمؤسسات المالية الدولية الدولية من لندن وكيفية الاستفادة من هذه الهجرة، ولكن الأهم لنا كأفراد عاديين هو أن نتأمل في بعض الظواهر المصاحبة لهذا الحدث قدر استطاعتنا، والتي قد نتمكن من استخدامها مستقبلاً كأدوات لتحليل وفهم أي أحداث تاريخية بنفس الحجم أو النوعية.

البداية هو في شعور الطبقة العاملة في انجلترا تحديداً بانها أصبحت الأقلية، طبعاً هذا ليس صحيح رقمياً، ولكن هذا الإحساس ترسخ عبر قلة فرص الإرتقاء الإجتماعي المتاحة أمام أفراد هذه الطبقة، وترسخ أيضاً بالتزامن مع تدفق العمالة الأوروبية إلى بريطانيا من بعد 2008، وتفضيل القطاع الخاص لتوظيف البولنديين الذي يعملون في الهندسة والحدادة والسباكة، والرومانيين الذين يعملون في قطف المحاصيل المزارع وعمال البناء البرتغاليين لأنهم يقبلون أجور أقل من نظرائهم الإنجليز، تضاعف شعور ملايين البريطانيين بالغربة في أرضهم، وبالفقر والعجز والطبقية والدونية وهم أصلاً يعانون من انخفاض الدعم الحكومي عنهم بعد الأزمة المالية العالمية، وكانت حجة الحكومة ومعها الإعلام وأصحاب المال والأعمال، هي أن على الشعب أن يتحمل جزء من مسؤولية انقاذ البلاد.

مرت 8 سنين منذ الأزمة المالية العالمية واستمرت حكومة ديفيد كاميرون في خفض الدعم الحكومي عن الخدمات الاجتماعية، الشئ المتوقع حصوله هو تضاعف مشاعر العجز لدى الفرد الإنجليزي العادي، الشئ الأكثر توقعاً وخطورة هو ما حصل بعدها، وهو تكون حاجز نفسي بين ما تعلنه الحكومة وآلتها الإعلامية في لندن، وبين اهتمام الناس: بالعناوين البراقة التي تطبعها الصحف وتذيعها أجهزة التلفزيون والإذاعة وتنشرها حسابات الإعلام الاجتماعي.

تخيل يا عزيزي القارئ أنك تشغل منصب رفيع المستوى في لندن في قلب عملية صنع القرار، وأنك تستطيع التأثير على الإعلام بحيث تجعله يسبح بحمد مبادراتك وانجازاتك ليل نهار، ماذا سيكون شعورك بالضبط؟ ستشعر في الغالب بأنك أذكى من الآخرين وبأنك أكثر حكمة ودهاءً الخ وقد تبدأ بالاستخفاف بمطالب واحتياجات الناس. لكن الناس وأعني كل الناس في كل العالم، يمتلكون من الذكاء الفطري والوعي ما يمكنهم من فلترة ما يتم طرحه من عناوين وحملات ترويجية. ولهذا ابتعد الكثيرون عن الآلة الإعلامية المتحالفة مع الحكومة في لندن. وهو ما لخصه أحد المتقاعدين في شمال إنجلترا عندما تم سؤاله حول الضجة الإعلامية المحيطة بالإستفتاء "من الأفضل لنا أن نبتعد عن هذا السيرك، لدينا من الهموم ما يكفي لإصابتنا بالغضب واليأس".

وعندما يصبح الغضب واليأس شعوراً يشترك فيه الكثيرون على مستوى البلد، فإن هذا يقود بالضرورة إلى ظهور "الوطنية المتطرفة"، والوطنية المتطرفة تغلق الباب أمام تقبل كل ما هو مختلف عنا، ولذلك لم يكن من الغريب أن يعبر 81% من الذين صوتوا على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، عن رفضهم للتنوع الثقافي والديني كأساس لهوية البلاد، واعتبر 80% من نفس الفئة أن الهجرة تشكل خطراً على بريطانيا ككل، بل واعتبر 78% منهم أن حملات الحفاظ على البيئة تشكل عائقاً أمام النمو الاقتصادي.

بالطبع فهم هذا الحدث المعقد هو أيضاً أمر معقد، حيث علينا التعمق في الجوانب الجيو-سياسية، والاقتصادية والاجتماعية الخ حتى نفهمه بالكامل. عزيزي القارئ أنا مثلك لست أكاديمياً متخصصاً، ولكني أيضاً مثلك، أحاول أن أفهم ما يجري في العالم، لأننا جميعاً نتشارك في تجارب الآخرين مهما كانت الإختلافات بيننا.