الإثنين 27 يونيو 2016 / 19:40

شاعرٌ يُحِبّ شاعراً آخر!

نعم، الحسد هو ما عانى منه الشاعر فيكتور هيغو من جهة الأدباء الزملاء والسياسيين

1-
 ميشال بيتور Michel Butor روائي وشاعر فرنسي ( ١٩٢٦-) وأستاذ جامعي، وواحد من نجوم "الرواية الجديدة" التي شغلت العالم الأدبي في الستينات الماضية، ولقد عرف بيتور ضمن كوكبة أخرى مثل "ناتالي ساروت" و"آلان روب غرييه"، ويكاد يكون أيقونة الرواية الجديدة الحية، هو في سن التسعين و مازال على قيد الكتابة، وقد شغل العالم الفرنكوفوني مؤخراً بمنتخبات فيكتور هيغو Victor Hugo من اختيار بيتور .

٢-
الدرس الذي يمكن أن تستخلصه الحياة الثقافية العربية من خلال هذا الإصدار، هو هذا الاحترام الفيّاض الذي ينبع من حديث هذا الشاعر عن شاعر آخر، وهو أمر نادر في ثقافتنا العربية، فلا نكاد نعثر على شاعر يكتب كلاماً او كتاباً محترماً عن شاعر آخر حيّ، كما يندر العثور علي شاعر يتحدث عن شاعر راحل .

ولهذا الأمر أسباب كثيرة يطرحها بيتور حين يتحدّث عن فيكتور هيغو، فهو يشير إلى "ظاهرة الحسد" القديمة، كما أشار شاعرنا العربي القديم عمر بن أبي ربيعة في قوله السائر "وقديماً كان في الناس الحسد".

٣-
يلحُّ بيتور: "نعم، الحسد هو ما عانى منه الشاعر فيكتور هيغو من جهة الأدباء الزملاء والسياسيين". لقد اشتهر بالكتابة للمسرح وهو فنّ مربحٌ للمال في ذلك القرن التاسع عشر الذي غطاه هيغو، فكان شاهدا عليه وهو المولود في بدايته والمتوفّى في نهايته ( ١٨٠٢-١٨٨٥) .
ثم التفتَ هيغو إلى الرواية فكتب رائعة روائية مسجلة في الخالدات سماها ( البؤساء ) وقد حولت الى عمل درامي مسرحي وتلفزيوني وسينمائي، وألْهمت الرسامين كثيراً.

وأما الشعر فقد عرف عنه انه الفن الأشهر الذي كان يشير اليه فيكتور هيغو باعتباره قامة شعرية أصيلة، وقيمة أدبية راسخة، وكان أيضاً عضوا في برلمان الجمهورية الثانية، وخاض معارك سياسية شرسة، ووقف ضد عقوبة الإعدام، بل أنه نادى بتأسيس "الولايات الأوروبية المتحدة"، وكانت جل أفكاره ورؤاه السياسية ذات منحى اشتراكي، ويلح بيتور على أن اليمين الفرنسي والرجعيين كانوا يناصبون فيكتور هيغو عداء واضحاً وصريحاً.

٤-
هذه هي صورة فيكتور هيغو الذي اختار له بيتور مجموعة من نصوص. ورغم أن بيتور لا يحب المختارات إلا أنه كان مضطراً الى شرح اختياراته الدالة على معاشرة طويلة مع النصوص، وبيّن بيتور لماذا لا يحب المختارات.
لان المنتخبات تغطّي على نصوص غير معروفة وقد تكون هذه الاخيرة أهَمّ من النصوص المشهورة، المنتخبات الشعرية تتشابه في العادة، ومتكررة في جلّ المنتخبات، ولذلك حرص بيتور على أن يقدّم للقارئ فيكتور هيغو الذي لا يعرفه الآخرون، ولا ينسى بيتور أن يعترف كيف أنه لم يقرأ فيكتور هيغو كاملاً، لان آثار الكاتب كثيرة ومتشعبة ومراسلاته وحدها تأخذ وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً .

٥-
إنّ عمل المنتخبات صناعة ثقيلة وخفيفة الروح، وهي تشير باستمرار إلى أن صاحب المختارات يُخْفي ما يريد ولي ما يريد من النصوص، وما أذكره أن المعارك تكون طاحنة بين الشعراء العرب الذين لا تدرج لهم نصوص في المنتخبات التي تقوم بها المؤسسات الحكومية أو تشرف عليها وزارة الثقافة. وكان النقاد هم الذين يتولون انتخاب النصوص التي تندرج ضمن هذه المنتخبات التي تضم في بعض الأحيان الأصوات السياسية فقط لا الأصوات الشعرية.

٦-
ان ما يثيره شاعر مثل بيتور حول شاعر مثل فيكتور هيغو لا بد أن يثير في الثقافة العربية رغبة في حرص الأجيال الأدبية على التصالح مع الذات من خلال تصاح الشعراء مع أنفسهم من جهة، ومع بعضهم من جهة أخرى، فالكلام الجانبي الذي يقوله الشعراء عن بعضهم هامّ جداً، بل هو أهم من كلام بعض النقاد عن الشعر، كما أن الحسد يبلغ أوجه بين الشعراء إذا فكر أحدهم في أن يكتب رواية أو مسرحية، فالشاعر يموت شاعراً ولا يرتكب رواية أو مسرحية أو عملاً تشكيلياً.
نعم ، وقديماً كان في الناس الحسد. وليكنْ هذا الحسد بناءً، وصانعاً للكتب كما فعل الشاعر والروائي ميشال بيتور مع المؤلف المسرحي والروائي والنائب البرلماني والشاعر والرسام فيكتور هيو.