الثلاثاء 28 يونيو 2016 / 19:23

داعش النظام ودواعش المعارضات.. و"الحاضنات الشعبية"

لابد، إذاً، من "مطحنة" للقوى المتحاربة لتتقلص إلى طرفين، كي نتحدث عن حل عسكري يأتي حازماً، أو عن توازن بين قوتين يفضي إلى حل سياسي

تأتي أخبار الميدان في سوريا غالباً غير دالة على اتجاه المعارك إلى مزيد من التعقيد، أو اتجاهها إلى حل عسكري تام، أو جزئي، يقود إلى حل سياسي، أو بداية حل سياسي.

تبدو الحالة، عموماً، ثابتة، في ستاتيكو عسكري تتخلله معارك كر وفر، ودم كثير، لكن دون تحقيق أي طرف نصراً "مبيناً".

في التجارب المشابهة لحروب مديدة سابقة، يئس أحد الطرفين، أو كلاهما، من إمكانية الانتصار، فانحاز مجبراً إلى حل بديل، وسط، أو استسلامي.

في المعضلة السورية، تعدد الأطراف المتحاربة، وتقاطع النيران المتبدل، يحول حتى الآن دون إمكانية توقع حل في المدى المنظور.
لابد، إذاً، من "مطحنة" للقوى المتحاربة لتتقلص إلى طرفين، كي نتحدث عن حل عسكري يأتي حازماً، أو عن توازن بين قوتين يفضي إلى حل سياسي.

ينطبق الأمر على النظام السوري وحلفائه، كما ينطبق الأمر على مقاتلي المعارضة بمرجعياتهم السياسية – المالية التي لا تتقاطع حالياً سوى في ادعائها محاربة النظام.

ماذا عن داعش في هذه المعادلة المتعددة المجاهيل؟

برنامج داعش بأهدافه المستحيلة يعادي كلا الطرفين الرئيسيين المتحاربين بمكوناتهما غير المتجانسة.

وإذا كان من غير المرجح أن ينتصر داعش على هذين المكونين، كلاً على حدة، لأنه سينخرط في معارك كر وفر لا نهائية في جغرافيا متداخلة، وديموغرافيا يتم العمل على تغييرها من قبل النظام والمكون السوري الكردي، فإنه من المستحيل أن يقود النظام تحالفاً مع معارضيه للقضاء على داعش.

هذا التداخل السياسي – العسكري لا يُرجِّح أن تتقاتل الأطراف المعارضة قتالاً شاملاً، بمعنى قيام حرب إلغاء للقضاء على الكيانات العسكرية الصغيرة. كما لا يُرجح أن يحدث اندماج سياسي – عسكري بينها لتشكيل كيان موحد مقابل للنظام وميليشياته وحلفائه.

وحتى لو حدث ذلك، سيجد كل من الطرفين داعش في وجهه أينما توجه في الجغرافيا السورية الصغيرة – الكبيرة. فباستثناء إدلب واللاذقية وطرطوس، داعش موجود في كل المحافظات السورية، بل ويستطيع التنظيم الوصول إلى المحافظات التي لا يُسجل له فيها وجود رسمي، من خلال أخلاقه الاستضباعية (الهجوم كالضبع) على فرائس الصيادين الآخرين، كما حدث في جبلة وطرطوس الشهر الماضي، وكما حدث في هجماته في تركيا باغتيال الناشطين والصحافيين في كل من أورفة وغازي عينتاب.

مفهوم الجغرافيا السورية الصغيرة - الكبيرة يتمثل في عدم ثبات جغرافيا أيٍّ من حملة السلاح من جهة، والتواصل الجغرافي بين الأراضي التي يسيطر عليها داعش في سوريا والعراق من جهة أخرى. فثلثا مساحة العراق متصل داعشياً بثلث مساحة سوريا، بالرغم من تداخلات السيطرة في هذه المناطق، بمعنى أن داعش لا يسيطر على كل هذه المساحة منفرداً، بل يتشاركها مع النظام السوري، والنظام العراقي، والأكراد، وبعض فصائل الجيش الحر في شرق حلب، مع انزياحات لا تستقر في الجغرافيا تبعاً لعمليات الكر والفر بين الأطراف المعادية لداعش خاصة.

في كل تلك التشابكات لا تبدو "الحاضنة الشعبية": حاضنة النظام؛ واشتقاقاً منه حاضنة الطرف الكردي، وحاضنة المعارضات، وحاضنة داعش، ذات وزن في حسابات من يملك السلاح، بالرغم من أن كل هؤلاء يدعون اكتساب الشرعية من تلك الحواضن.

المؤكد أن السوريين انقسموا أفقياً وعمودياً داخل الجغرافيا السورية وفقاً للاستتباع القسري الذي فرضته قوة السلاح عليهم، وانقسموا في بلدان اللجوء القريبة وفقاً لأجندات الدول "المضيفة"، قسراً أيضاً وبدافع الحاجة والخوف وانسداد أفق الكيانات السياسية السورية، بينما سكن ما تبقى من السوريين في حضن بلدان اللجوء "الرحيمة"، من الآن وإلى الأبد، غالباً!