الثلاثاء 19 يوليو 2016 / 14:11

تركيا بعد الانقلاب... خطر على العالم

ما يجري في تركيا يهم أوروبا والعالم. فهذا البلد يمثل قوة اقتصادية كبرى، وهو عضو في مجموعة العشرين، ويقع جغرافياً في منطقة حساسة ويتشارك في حدود طويلة مع كل من العراق وسوريا وايران.

كانت المحاولة الانقلابية الأخيرة خرقاء بجميع تفاصيلها

ومن هذا المنطلق حاول آندرو فينكيل مراسل صحيفة غارديان البريطانية في تركيا منذ 25 عاماً، ومؤسس بي 24، مبادرة لدعم الإعلام التركي المستقل، ومؤلف كتاب" ما يحتاج لمعرفته الجميع"، تركيز الضوء على تداعيات ما يجري حالياً على الساحة التركية، على الساحة الدولية.

قوة داعمة
ويرى فينكيل أن تركيا يمكن أن تشكل قوة داعمة لشركائها في الناتو، عندما تكون قادرة على ممارسة دور ريادي. ولكن قد تشكل أيضاً نقطة ضعف للناتو، إن تمدد جيشها خارج حدودها، كما يجري حالياً جراء التوتر مع سكانها الأكراد. وقد تمثل تركيا خطراً على العالم عندما تقرر أن تضر بنفسها، كما فعلت مساء الجمعة الماضي.

محاولة خرقاء
وبرأي الكاتب، كانت المحاولة الانقلابية الأخيرة خرقاء بجميع تفاصيلها. فقد مثلت مسعى للاستيلاء على السلطة ضمن مجتمع شديد التعقيد، وعبر تكتيكات قديمة من استيلاء على محطات تلفزة، ونشر بعض الدبابات في الشوارع.

وبدا كأن المخططين للانقلاب لم يسمعوا قط بوسيلة اسمها "التواصل الاجتماعي"، فيما استغلها الرئيس التركي نفسه لمخاطبة مؤيديه عبر فيس تايم، داعياً إياهم إلى النزول إلى الشوارع.

لعبة خطرة
وبحسب فينكيل، لعبت الجماهير لعبة خطرة مع الانقلابيين مراهنة على أنهم سيعودون إلى ثكناتهم، عوضاً عن تحويل الشوارع إلى برك من الدماء. ورغم ذلك قتل ما لا يقل عن 180 شخصاً، من مدنيين ورجال شرطة ومنفذي الانقلاب.

وبرأي الكاتب، يكمن السؤال اليوم لا حول سبب فشل الانقلاب، بل عن دواعي تنفيذه. فإن جاء من منطلق اليأس التام، فلربما اعتقد أصحابه أن تلك كانت فرصتهم الأخيرة لمنع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من بسط سيطرته الكاملة على الجيش التركي.

في بداية أغسطس (آب) المقبل، سيجتمع المجلس العسكري الأعلى، كما يجري سنوياً، للنظر فيمن هو جدير بالترقية، ومن سيحال على التقاعد، ومن سيعزل من منصبه. وقد أشارت صحف موالية للحكومة، خلال الأيام الأخيرة، إلى حملة تطهير شاملة ستتم في صفوف الجيش التركي.

انقلاب بطيء
ويشير فينكيل إلى أن عدداً كبيراً من المتابعين والمحللين للشأن التركي، يعتقدون أن تركيا شهدت مؤخراً حركة انقلابية بطيئة، ليس من قبل الجيش، بل بيد أردوغان ذاته. فقد ثابر، خلال السنوات الثلاث الماضية، للعمل على السيطرة على جميع مفاصل السلطة في تركيا.

ويأتي ذلك وسط ضغوط تعرضت لها وسائل إعلام تركية، حيث تراجع ترتيب البلاد على مؤشر هيئات دولية مثل فريدوم هاوس، من صحافة حرة نسبية، إلى صحافة غير حرة. وتمت السيطرة على صحف معارضة، وباتت تدار اليوم من قبل أشخاص اختارهم القضاء التركي. كما حجبت محطات تلفزة منشقة عن الأقمار الاصطناعية، ولم يعد لمنصات رقمية وجود في بيوت الأتراك. وقد هاجم أردوغان نفس وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت على إنقاذه.

تواطؤ
وشيئاً فشيئاً، أطبقت الحكومة التركية قبضتها على القضاء، وصار كل من يطلق حكماً متعارضاً مع موقف السلطة، يعتبر قاضياً جريئاً في تركيا. ولذا وفيما يهنئ البرلمان التركي نفسه لانتصار الديموقراطية، يتساءل عدد من المتابعين عما دفع عدد من أعضائه للتواطؤ في عملية تراجع حكم القانون.

ويلفت فينكيل إلى مضي أردوغان في خططه لكسب مزيد من السلطات. ففي مايو (أيار) الماضي، تخلى عن رئيس وزراء لصالح آخر أكثر انصياعاً لرغباته في تعديل النظام البرلماني، وتحويله لنظام رئاسي بصلاحيات أوسع. وهكذا، وعندما تبدأ محاكمة المتورطين في الانقلاب، سيعانون من خيبة أمل أخرى، وهم يرون أردوغان وقد تسلح بسلطات إضافية. فقد تعهد الرئيس التركي باستبعاد جميع المرتبطين برجل الدين المنفي فتح الله غولن، ولكل من يؤيد مواقفه.

درس مفيد
وفي ما يتعلق بالعالم الخارجي، لا بد أن يشعر بخيبة أمل عندما تمضي الحكومة التركية في حربها مع جيشها، ومع أكرادها، وتضعف الحرب ضد داعش، ويتراجع احتمال التوصل إلى تسوية في سوريا.

ويخلص الكاتب إلى أن تركيا التي تحكم بالتوافق تعد حليفاً أقوى وأكثر قيمة للعالم، ومن شأن ذلك أن يقوي اقتصاد يعاني من مخاطر سياسية. وقد تكون العبرة من فشل الانقلاب في تركيا، وجوب التنبه إلى حاجة هذا البلد إلى زعيم يجمع مجتمعاً منقسماً على نفسه، أو أن يحاول، على الأقل، تحقيق هذا الهدف.