الأربعاء 20 يوليو 2016 / 18:28

انقلاب تركيا وقواعد العشق الأربعون والخميني

أسوأ ما قد يحصل هناك هو أن تسيطر روح الإنتقام بشكل أعمى على صناع القرار، وهو ما يذكرنا بتصرفات نظام الثورة الخمينية

يمزقني الغضب والمرارة حول ما يحصل في بلدي... هذه هي مشاعر الكاتبة التركية إليف شافاك مؤلفة الرواية الأفضل مبيعاَ "قواعد العشق الأربعون". "في ليلة واحدة عادت تركيا 20 سنة إلى الوراء، ستترك محاولة الإنقلاب جراحاً عميقة في نسيج المجتمع التركي، وسنحتاج لسنوات طويلة حتى نشفى منها".

من المدهش قراءة هذا التصريح الكئيب من الكاتبة التركية التي انتشرت سمعتها في العالم بوصفها مؤلفة روايات تخلط فيها بين التعاليم والعبارات الروحية لجلال الدين الرومي والتحديات الروحانية والإنسانية التي نواجهها جميعاً في كل يوم . لكن ما حصل في تركيا كان صادماً حقاً للدرجة التي تجعل شافاك تتأمل بسرعة في ما حصل وتقول: "شاهدنا على شاشات التلفزيون قصف البرلمان وفي داخله النواب الذي انتخبهم الشعب، وتم قنص المتظاهرين بطائرات هيليكوبتر مسلحة، وكذب قادة الإنقلاب على صغار الجنود والمجندين لتنفيذ مخططاتهم، بغض النظر عن من قام بالإنقلاب؟ فإنه نجح بلا شك في دق المسمار في نعش الديموقراطية والإستقرار في تركيا".

كتبت شافاك في روايتها "قواعد العشق الأربعون" "إن جهنم تقبع هنا والآن، وكذلك الجنة. توقفوا عن التفكير بجهنم بخوف أو الحلم بالجنة، لأنهما موجودتان في هذه اللحظة بالذات. ففي كل مرة نحب، نصعد الى السماء. وفي كل مرة نكره أو نحسد أو نحارب أحداً فإننا نسقط مباشرة في نار جهنم. هل يوجد جحيم أسوأ من العذاب الذي يعانيه الإنسان عندما يعرف في اعماق ضميره أنه اقترف ذنباً جسيماً. هل توجد جنة أفضل من النعمة التي تهبط على الإنسان في تلك اللحظات النادرة من الحياة عندما تفتح فيها مزاليج الكون؟".

لم يفكر أحد في تركيا في ليلة الإنقلاب بهذه الكلمات الروحانية الجميلة، ولا يبدو أن تركيا ستعيش مجدداً نفس الروح المتفائلة التي شعر بها الشعب التركي قبل 10 سنوات، عندما كان الإقتصاد التركي يسجل أرقام نمو قياسية، وكانت تركيا تشهد انفتاحاً كبيراً في مجالات حقوق الإنسان وحرية التعبير وحقوق الأقليات. وهي نفس الفترة المتفائلة التي نشرت فيها شافاك روايتها الشهيرة والتي أرادت فيها أن تعود للتراث الإسلامي الصوفي لكي تستلهم منه إجابات تشبع تساؤلات الأتراك وهم يدخلون مرحلة جديدة من التحولات الإجتماعية والنفسية السريعة.

تركيا بلد معقد وليس من السهل توقع ما سيحصل فيها بسهولة. ولكن أسوأ ما قد يحصل هناك هو أن تسيطر روح الإنتقام بشكل أعمى على صناع القرار، وهو ما يذكرنا بتصرفات نظام الثورة الخمينية بعد نجاحه في الإستيلاء على الحكم في إيران، ففي الثمانينات بدأ النظام الإيراني ثورة أخرى سماها "الثورة التعليمية الإسلامية" وكانت تهدف لتصفية مؤسسات التعليم والثقافة من كل الأشخاص الذي يختلفون مع توجهات الحكومة الخمينية، وهذه "الثورة" تكررت أيضاً في مؤسسات القضاء، وتكررت بشكل عنيف ودموي في المؤسسة العسكرية، وكانت النتيجة، تمزق مؤسسات الحكومة، وإحداث شرخ كبير في العلاقة بين المواطنين والدولة.

المقلق أن نفس هذه "الثورات" تتكرر الآن في تركيا، حيث تم فصل أو توقيف 50000 تقريباً من الضباط والجنود والقضاة والموظفين ورؤساء الجامعات عمداء الكليات والمعلمين والإعلاميين في الأيام القليلة الماضية، تركيا ليست بحاجة لمثل هذا الشرخ، ولا منطقتنا بحاجة لدولة أخرى مليئة بالأحقاد وعمليات الثأر التي تنتظر الفرصة التالية لكي تنفجر على السطح من جديد.