الأربعاء 20 يوليو 2016 / 18:31

أردوغان وغولن وبينهما "العلماء" العرب: فخار الإسلامويين يحطّم بعضه بعضاً

لا أحد يدري لماذا تأخر الإسلامويون العرب في الإفصاح عن موقفهم، عندما أعلن الجيش التركي بيان الانقلاب على أردوغان في التلفزيون الرسمي، إذ لم ينبس لا القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولا أتباعه بكلمة، كأن على رؤوسهم الطير، ولم يتفوّهوا ببنت شفه بعد البيان المفاجيء الذي أعلنه الجيش بأن مجلس السلام هو وحده المرجع في إدارة شؤون تركيا بدل أردوغان الذي أطيح به، ولم تتوال البيانات المؤيدة والداعمة لأردوغان من قبل الإسلامويين إلا بعد تأكدهم من أن أردوغان عاد من جديد رئيساً للبلاد. ويبدو مسوّغاً في أن الإخوان قرروا التريث والمراقبة من بعيد، حتى تتكشف الأمور، فيذهب تأييدهم إلى الفئة الغالبة سواء أكان أردوغان وحزبه "الحرية والعدالة" أو فتح الله غولن وجماعته في حركة "الخدمة"، هذا إذا صدقت الاتهامات الرسمية التركية للرجل بأنه هو العقل المدبّر للانقلاب.

هل كان القرضاوي فاقداً الثقة بالعرب والمسلمين وعلمائهم في رسالته الشهيرة الداعمة لأردوغان، تلك التي دبّجها بمسكوكات تراثية وجمل قرآنية، بحيث قدّم فيها الأحرار في الولايات المتحدة والدول الأوروبية على علماء الأمة، فقال في رسالته التي نشرت بعدما عادت الدبابات إلى ثكناتها وتبين له الخيط الأبيض من الأسود: "الله معك، وكل الأحرار في العالم معك، ونحن علماء الأمة الإسلامية معك.. والملائكة بعد ذلك ظهير". وبمجرد نشر هذه الرسالة المختصرة في حسابه في تويتر، توالت عبارات التأييد مما يعرف بـ "علماء الأمة".

لو افترضنا جدلاً بأن الانقلاب لم يفشل، وأعلن الجيش متمماً بيانه الأول بأن رئيس مجلس السلام، هو فتح الله غولن، فهل كان سيحظى الانقلاب بتأييد الإسلامويين خاصة إذا ما عرفنا بأن معظمهم، قد روجوا لفتح الله غولن واحتفوا بتجربته ودانوا لها بالتأييد والولاء، وترجموا كتبه في طبعات فاخرة، وروجوا لأفكاره، ودعموا مراكزه المنتشرة في العالم بالتبرعات والهبات! وتجد كل ذلك منتشراً بالصوت والصورة في أرجاء الإنترنت.

لقد عبّر سلمان العودة على سبيل المثال عن كثير من الفخر والاعتزاز والتقدير لتجربة فتح الله غولن في أحد لقاءاته التلفزيونية، إذ وصفه بالشيخ والعالم والفقيه، وجعل روحه النقية مسؤولة عن الخدمات الجليلة التي قدمها دعما للإسلام في العالم كله عبر آلاف المدارس في كل مكان ومئات الكليات وعشرات الصحف والتلفزيونات والمجلات والمستشفيات المنتشرة في المعمورة، لدرجة أن فتح الله غولن نفسه قد أعجب بحديثه ونشره في موقعه باللغة العربية، أما عائض القرني فيقول عن غولن المتهم بالانقلاب الفاشل: " جزى الله الشيخ العلامة الأستاذ فتح الله غولن خير الجزاء على ما قدم لدينه ولأمته ما أحسن العلم والحكمة إذا اجتمعا"، ويضيف بأنه قد زار مدارس غولن ويصفه بالشيخ العالم الذي يضرب به المثل، ويلجأ القرني إلى موسوعة أمريكية ليؤكد من خلالها أن غولن هو المسلم الأشهر في العالم من الأحياء، له ألف مدرسة، داخل تركيا وألف مدرسة خارج تركيا، مضيفاً أن غولن يختم القرآن مع تلاميذه كل ثلاثة أيام مرة في رمضان ويقرأ التفاسير، ومنهجه هو منهج التربية والرفق. أما الداعية محمد العوضي الكويتي واصفاً فتح الله غولن بأنه العالم المربي التركي صاحب المدرسة الخاصة ويعتقد بأن غولن يؤكد روح العصر، روح التساؤل، ويرتقي إلى البرهان وينطلق إلى القواعد العقلية، ويأتي ذلك في سياق حديثه عن كتاب غولن "أسئلة العصر المحيرة". ويذهب الدكتور زغلول النجار أبعد من ذلك فيرى في غولن نموذجا للمسلم المجاهد بصمت في زمن الفتن، من أجل إعلاء كلمة الإسلام في عالم الكفر والشرك والضياع الذي تعيشه الإنسانية. وعن نشاط غولن يتحدث الشيخ عبد العزيز الفوزان ليقول: "ما كنت أتوقع أن نشاطه الكبير بلغ مستوى من السعة والانتشار والنفع الكبير الذي غطى أصقاع الأرض، فلله دره، وأنه يمتلك مع جماعته فكراً عالمياً يسعى إلى نشر الإسلام في كل أصقاع الأرض وإحياء الأمة الإسلامية من جديد في شتى المجالات"، متمنيا أن تستفيد من تجربته كل الدول الإسلامية شعوباً وحكومات، إلى أن يقول في النهاية: "علينا أن نبدأ من حيث انتهى الشيخ فتح الله غولن ونحن معه".

ومثل عبارات المدح والإطراء هذه والتي لا تقدم رؤية علمية لغولن تجدها عند أقطاب الإسلاموية العربية كافة، فله فضل عليهم كبير، وهم لا يستطيعون نكران ذلك، فضل تجلى في تعزيز حضورهم ودعمهم وخدمتهم بحيث جال بهم الآفاق وأسهم في نشر صيتهم فيما وراء الحدود.

لكن السؤال الذي سيبقى مطروحاً وسيشغل الأذهان، هو لماذا صمت الإسلامويون العرب ولم يقدموا موقفاً يشرحون فيه العلل التي قادتهم ليجعلوه ملء القلب والعين ولماذا تنكروا له بين ليلة وضحاها، فهل نتوقع منهم قريباً جملاً مرسلة كعادتهم تبين الأسباب وتظهر الدواعي لتدينه بعدما جعلته مضرب الأمثال ومنجي الأمة من الكفر والضلال، وهل يستطيعون قبل ذلك أن يوضحوا علاقته بالانقلاب الفاشل في تركيا، ولماذا ضللوا أتباعهم وأرسلوا التبرعات والهبات دعماً لحركته الموسومة بالخدمة، ثم ما موقف أردوغان وموقف غولن من العرب والإخوان، إذ الأول كان متطلعاً لزعامة العالم العربي بتحالفه مع الإخوان المسلمين فيه، والثاني هل كان معارضاً لمثل هذا التطلع الذي يعده تدخلاً؟ لكن، وكما تظهر الوقائع، بأن الخلاف على السلطة بين الإسلامويين لا يمنعهم من قذف بعضهم بعضاً بالتخوين والتكفير حتى وإن كانوا مسلمين كما يجري الآن في تركيا.