السبت 23 يوليو 2016 / 23:31

أردوغان بين الغرب والشرق

جاءتني ردود كثيرة على مقالتي التي نشرت في موقع 24 يوم السبت الماضي بعنوان "الجيش لم ينقلب وأردوغان لم ينتصر".

الردود انقسمت بين مؤيد ومعارض، غير أن المعارضين كانوا أكثر من المؤيدين، وهذا أمر طبيعي تحت التأثير العاطفي لفشل الانقلاب العسكري ونجاح الاحتشاد الجماهيري الذي أدانه وقاومه، غير أن ما أشعرني بخيبة أمل فادحة هو عودة كثيرين إلى الرهانات العاطفية على الأفراد، وكأننا لم نتعلم من خيبات الأمل الكثيرة والكبيرة التي منينا بها من قبل أفراد تعاملنا معهم كمخلّصين فإذا بهم يرجعوننا عقوداً إلى الوراء.

إن أردوغان حتى اللحظة هو البطل الأول للمشهد، ولِمَ لا... فهو من أنزل الجماهير إلى الشوارع، وهو من حيّد الدبابات والطائرات لمجرد ظهوره على شاشة الموبايل لدقائق معدودات.

أي مراقب لمجرى الأحداث لا يمكن منطقياً أن يستخف في مواهب أردوغان في إثبات الحضور داخلياً وخارجياً، والإقدام على قرارات مثيرة للجدل، والتراجع المفاجئ مع قدرة فائقة على تبرير الإقدام والتراجع بذات القدر من البلاغة وقوة المنطق، غير أن تلك المواهب والتي تمتع بها كثيرون غيره من القادة عبر التاريخ، لم تكن حاسمة في كل الأوقات والظروف وديمومة الزعامة.

وفيما يخص أردوغان بطل المشهد الحالي فإلى جانب مواهبه المشهود لها في الهاب الجماهير وجذب الأضواء، فهنالك مثلبة أخشى عليه منها ويبدو أنه من الصعب التخلص منها في لجة الاندماج المطلق بالحالة الجماهيرية، وهي الإفراط في الثقة على نحو يربك الحسابات وربما يقود إلى كوارث، ذلك أن بحر الجماهير المواتي لسباحة سهلة مع التيار لابد وأن يفاجئ السابح بما لا يقدر ولا يحتسب، وفي حالة أردوغان وتركيا وما في داخلها وحولها من تفاعلات، فإن البحر الآمن اليوم لن يكون كذلك غداً.. وهنا يجدر وضع النقاط على الحروف وتعريف الواقع ومؤثراته دون شطط أو مغالاة.

لقد نسي الناس الانقلاب الفاشل، إلا أنهم يعيشون الآن مرحلة التطهير والقضاء على الفيروسات وإخماد كل الأصوات في بلد تعود شعبه على رفع الصوت والعيش في ظل تعددية يكفلها الدستور، وحين تسير الأمور عكس هذا الواقع ولو تحت مسميات مجيدة، فإن إغلاق باب الانقلاب العسكري سيفضي من خلال سوء المعالجة إلى فتح أكثر من باب لمشكلات داخلية حاولت تركيا الإفلات منها وقطعت خطوات لا بأس بها في هذا الطريق.

وتركيا الأطلسية والأوروبية والصناعية لابد وأن تواجه تحفظات المحيط الحيوي لكيانها واقتصادها ورئاتها التي تتنفس منها، فأمريكا ليست مجرد مضيف لمحمد فتح الله غولن تظل صديقة لو سلمته وتصبح معادية لو احتفظت به، والمجموعة الأوروبية التي بدأت بفتح الملفات الشائكة لتركيا، لابد وأن تجد وسيلة لمعالجة المعضلة التركية، ليس فقط فيما يتصل بعقوبة الإعدام بل في أمور أخرى أخطر وأعمق.

ذلك على صعيد المجال الحيوي الغربي... أما الشرقي، فإلى متى يعمر إمساك النقيضين في قبضة واحدة ـ اسرائيل وغزة، موسكو وواشنطن في سوريا، والخصومة ذات التبرير الواهي والأثر الفادح مع مصر، فليسوا أقلية في العالم العربي من يتساءلون كيف تتقدم إسرائيل على مصر في التحالفات التركية التي تجري صيانتها وخدمتها ليس في عهد العسكر الاتاتوركيين، وإنما في عهد الأسلاميين العثمانيين.

من حق أي مواطن عربي أو مسلم أن يختلف في التقويم مع الآخر، وأن يجد التفسيرات الملائمة وغير الملائمة لسلوك أردوغان وحزبه وخصومه ومعارضيه، فهذه هي طبيعة الأشياء ولكن أن تسوق العاطفة ملايين البشر باتجاه غامض دون تمحيص أو تدقيق فهذه هي الآفة الكبرى التي وقعنا بها في الماضي، وها نحن نقع بها في الحاضر.