الأحد 24 يوليو 2016 / 19:15

سايكولوجية الإنسان الداعشي 4

أقرب الفِرق الإسلامية إلى الدواعش هم فرقة الخوارج... فالخارجي/الداعشي هو إنسان لا يقبل الحلول الوسط ولا الحق "الأروسطي" المتوسط بين طرفين

يذكر الشيخ علي الجفري أنه راسل الشيخ الراحل مقبل الوادعي -الذي يعد أحد رموز السلفية المتشددة في اليمن- لكي يتفقوا معه على التفاهم ووحدة الصف في ظل وجود أعداء يتربصون ببلدهم من الداخل والخارج، فكان رد الشيخ الوادعي أن الأولوية عنده هي التخلص من الصوفية التي اعتبرها أشد خطراً على المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين... لم يكن هذا الموقف غريباً على أية حال... وانعكس هذا السلوك الممنهج على تلاميذه الذين انشقوا بعد وفاته إلى جماعات أكثر تطرفاً حتى إن بعضهم التحق لاحقاً بتنظيم القاعدة وداعش، والوادعي نفسه قد تم ترحيله سابقاً من السعودية بعد حادثة احتلال جهيمان للحرم المكي في عام ١٩٧٩ بسبب الاشتباه بعلاقته بهذه الحركة المتطرفة...

لو أسقطنا هذا الموقف العدائي على جماعة الجهاد ذات الجذور الأخلاقية المشتركة مع السلفية المتشددة فإننا سنرى أنها - وبفضل تزمتها وعقائدها الجامدة - لا يمكن أن تنسجم مع محيطها المتحضر، وهي نفسها لم تنسجم مع أبناء جلدتها وصارت جماعات متفرقة بينها ثأر وذبح و دم، فكل يوم نسمع عن انشقاق جديد على أمير الجماعة الذي هو بالأساس منشق على أمير سابق في سلسلة انشقاقات لامتناهية، فهذا التقوقع والتشرذم يعكس واقعهم النفسي الذي لا يحتمل خلافاً كبيراً ولا صغيراً بين أفراد التوجه الواحد، فأسرع طريقة للتواصل بينهم هي لغة الرصاص، وقد يلجأون إلى وسائل الحشاشين لاغتيال المنشقين عنهم... ولو راجعت أسباب خلافهم مع بعضهم البعض لحمدت الله على أن جعل لك أعداءً بهذا الغباء المنقطع النظير، ومع أنهم أحياناً يبدون كشبكة فريدة منظمة بفضل أذكيائهم وربما بعض أجهزة المخابرات التي اخترقتهم، إلا إن حمقاهم هم الأغلبية في الميدان...

يؤكد "مارك سيجمان" في كتابه (جهاد بلا قيادة) أن الأعضاء المعتدلون في أي جماعة يتركونها، وذلك مما يزيد احتمال تحول الجماعة إلى المزيد من التطرف حيث يكون أعضاؤها أكثر تشابهاً وانسجاماً بخروج الأصوات المعارضة، وبما أنه من السهل إعلان إمارة منشقة بأمير منشق فإن سهولة الانشقاق تُسهل تكوين جماعات أكثر تطرفاً إلى ما لانهاية...

لو قبلنا التقسيم العقدي لمذاهب الإسلام إلى سنة مُوالية وشيعة مُعارضة وخوارج خارجة... فإن أقرب الفِرق الإسلامية إلى الدواعش هم فرقة الخوارج... فالخارجي/الداعشي هو إنسان لا يقبل الحلول الوسط ولا الحق "الأروسطي" المتوسط بين طرفين... ولذلك تراهم منذ نشأتهم الأولى يرفضون أي حل تُشتم منه رائحة التنازلات والمساومات... وتحمل هذه الفئة نفسية غريبة سماها المفكر الفرنسي "جوستاف لوبون" في كتابه "روح الثورات والثورة الفرنسية" ب"النفسية اليعقوبية"، واليعقوبيين هم جماعة مسيحية من ذوي الأخلاق الحماسية الضيقة تتضمن نفسيتهم فكراً عنيداً ينابذ كل ما هو خارج أفكارهم، ويبدو اليعقوبي بمظهر العاطفي الساذج الذي لا يدرك إلا ظواهر الأمور دون نتائجها ومآلاتها وارتباطاتها المنطقية... وهم بذلك يتطابقون مع داعش تطابقاً تاماً بالرغم من اختلاف الأسماء والهيئات... نقل لنا التاريخ أن الخوارج كانوا يبقرون بطون الحوامل من المسلمين المخالفين لهم وفي نفس الوقت يحذرون بعضهم بعضاً من التعرض لخنازير أهل الكتاب... ولما ثار عبدالله بن الزبير على الدولة الأموية طلب منه الخوارج التبرؤ من أبيه الزبير بن العوام حتى ينضموا إليه، فلما رفض وضعوه في قائمة أعداءهم المتجددة دورياً...

بسبب هذه العقلية الإسمنتية كان الخوارج أول من خرج على علي بن أبي طالب حين قبِل الصُلح مع معاوية بعد معركة صفين... فرؤيتهم تنعدم فيها نسبية الحقيقة التي تحوم في مساحة شاسعة بين القطعيات المحدودة... فتراهم مكعبات صلبة لا تقبل التشكيل والتطور، وهذا مما أوقعهم في نزاع نفسي مع ذواتهم ومع غيرهم...

وانعكست هذه الميزات النفسية الفكرية على واقعهم اليوم، فصار من ملامح مذهبهم هو إطلاق الأحكام العامة بالمطلق على كل أحد لا يتواجد في صفوفهم... فتراهم يُكفرون المسلمين بالجملة و يستحلون دماءهم بالجملة... وقد يحمل هذا التكفير صوراً عديدة منها تكفير مرتكب الكبيرة وتكفير بما ليس بذنب أصلاً والتكفير بالظن والتكفير بالأمور التي يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد والتكفير دون التّحقق من توفر الشروط وانتفاء الموانع كما يقول علماء العقائد في شروطهم، ولكي يُقنعوا أنفسهم بأنهم أهل الحق أخذوا يطلقون على أنفسهم ألقاباً يشع من بريقها ختْم الإيمان والتقوى من قبيل الجماعة المؤمنة والصابرة والمحتسبة... فتسموا بجميع الأسماء التي يفتقدونها في حياتهم...