الثلاثاء 26 يوليو 2016 / 19:40

عودة إخوانية إلى الزمن المكارثي

كان الفرنسيون في ذلك الزمن يقاومون احتلالاً جاثماً على صدورهم ولا يصفون حسابات مع جنرالات وقضاة وأساتذة جامعات يتمردون على محاولات إخضاعهم لمعايير أنظمة الحزب الواحد التي تآكلت مع نهايات الحرب الباردة

دون مراعاة خطورة القفزات العشوائية التي تتجاهل الارتفاعات وأماكن السقوط ولا تكترث بمتطلبات السلامة، يحاول الشارع الإخواني استخدام فرضية الفرار إلى التاريخ في تبريره للإجراءات الأردوغانية التي أعقبت الانقلاب العسكري الفاشل .

إحدى المحطات التي انتهت إليها هذه القفزات التذكير بممارسات انقلابيين أتراك في انقلابات سابقة مما يعني المفاضلة بين ممارسة وأخرى بناء على هوية منفذها دون اخضاعها لمفاهيم وأبعاد قيمية أو مراعاة الفوارق المفترضة بين حكم عسكري يتلو انقلاب ما وآخر مدني تفترض المعايير المتعارف عليها أن يكون محكوماً بشروط ونظم مختلفة.

توسيع البحث عن المبررات قاد أصحابه إلى الاعدامات والاعتقالات التي طالت الفرنسيين المتعاونين مع الألمان بعد تحرير فرنسا من الحكم النازي وفات المتحمسون للاعدامات والاعتقالات والطرد من الخدمة الفوارق بين الظروف المؤسسة لحالتي الفوضى التي أدت إلى الممارسة القمعية حيث كان الفرنسيون في ذلك الزمن يقاومون احتلالاً جاثماً على صدورهم ولا يصفون حسابات مع جنرالات وقضاة وأساتذة جامعات يتمردون على محاولات إخضاعهم لمعايير أنظمة الحزب الواحد التي تآكلت مع نهايات الحرب الباردة .

القاع التي بلغتها استعادات جمهور الإخوان للممارسات الانتقامية لم تقف عند هذا الحد، فقد وجد قراء التاريخ الجدد في احتجاز الأمريكيين ذوي الاصول اليابانية بعد حادثة بيرل هاربر تبريرات للإجراءات التركية لكنهم تجاهلوا الاضرار التي لحقت بالاقتصاد الامريكي في ذلك الوقت بسبب فوبيا الطابور الخامس واعتذار الرئيس الامريكي جورج بوش الاب بعد عقود عن ما اقترفه روزفلت .

اللافت للنظر أن الشارع الإخواني تجاهل مكارثي والمكارثية ومكاتب الولاء التي ظهرت خلال حكم الرئيس هاري ترومان لقياس ولاء العاملين في الحكومة الفيدرالية رغم تشابه تلك المرحلة من التاريخ الأمريكي مع ما يحدث في تركيا الان .

ارتباك الانتقاءات الإخوانية وسهولة دحضها لا يعنيان فشلها في إحداث حالة من الديماغوجيا أبقت نظرياً على الفوارق بين طرق معالجة النظامين السوري والتركي للمخاطر التي تواجههما رغم سقوط هذه الفوارق من الناحية العملية وأخفت إلى حين ازدواجية المعايير التي تنقد أحدهما وتؤيد الآخر وتكاد أن تحول دون بروز حقيقة احتفاظ الجيش المصري بشعبيته رغم كل الحملات التي شنت عليه في الوقت الذي تخسر المؤسسة العسكرية التركية صورة حامي البلاد التي احتفظت بها منذ الزمن الأتاتوركي .

وصول قلق الشارع الإخواني على التجربة الأردوغانية إلى ما يشبه الهلع أوقعه في مأزق الدفاع عن الطبعة التركية من المكارثية مما يفتح الباب أمام مراجعات تتجاوز البحث في طرق تفكير الجماعة وغياب التوازن في مواقفها لتصل الى طريقة تثقيفها لكوادرها وتعبئتها لأنصارها وذهنية الجمهور القادرة على استقطابه.