الأربعاء 27 يوليو 2016 / 20:59

طريق أردوغان إلى موسكو

تبدو روسيّا فلاديمير بوتين جاهزة لسدّ بعض الفراغ الذي سيرتّبه تراجع العلاقات مع أوروبا وأمريكا، من دون أن تزعج الحاكم التركيّ بمطالبات تتعلّق بحقوق الإنسان والديمقراطيّة وما سوى ذلك

لاحظ صحافيّ تركيّ معارض (كان دوندار، الغارديان البريطانية) أنّه حين أُحبطت المؤامرة الانقلابيّة الأخيرة، حال الجيش دون العبور من آسيا إلى أوروبا في اسطنبول، لكنّه لم يغلق الحدود مع باقي البلدان المجاورة لتركيّا بما فيها روسيّا شمالاً. وقد اعتبر الكاتب المذكور أنّ الخطوة تنطوي على دلالة رمزيّة لافتة.

فحكومة رجب طيّب أردوغان التي عطّلت العمل بالشرعة الأوروبيّة لحقوق الإنسان حتّى إشعار آخر، قد تجد نفسها وسط اشتباك ضارٍ مع الأوروبيّين إذا ما أعادت العمل بعقوبة الإعدام الملغاة. وهو احتمال سبق أن أشار إليه أردوغان بوصفه نزولاً عند رغبة البرلمان والشعب.

 وفي المقابل، تحدّث عدد من المسؤولين الأوروبيّين عن أنّ استعادة تلك العقوبة كفيلة بإنهاء عمليّة الانضمام التركيّ لأوروبا والتفاوض المعقّد والمديد الجاري بشأنها.

أمّا مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة فثمّة مشكلة أخرى تتمثّل في مطالبة أنقرة لواشنطن بتسليمها الداعية الإسلاميّ المقيم في الولايات المتّحدة فتح الله غولن، الذي يتّهمه الحكم التركيّ بالوقوف وراء المؤامرة الانقلابيّة، فيما يبدو أنّ الولايات المتّحدة لا تحمل الاتّهام التركيّ على محمل الجدّ والتصديق.

بطبيعة الحال لن يكون أيّ من الطرفين، أمريكا وأوروبا، مسروراً بتردّي العلاقة مع تركيّا. فواشنطن تعرف أنّ آثاراً سلبيّة كبرى لا بدّ أن يرتّبها تردٍّ كهذا على عمل الحلف الأطلسيّ (الناتو)، كما على الحرب الراهنة ضدّ تنظيم داعش. وأمر مشابه يمكن أن تتوقّعه أوروبا في ما خصّ حركة النازحين السوريّين وغير السوريّين إليها عبر تركيّا.

لكنّ أردوغان، وكما درج التقليد الذي يرعاه زعماء شعبويّون وقوميّون، قد يجد من المفيد له ولسلطته تصعيد التوتّر في علاقته بالطرفين الغربيّين. ذاك أنّ تصعيداً كهذا يتجانس مع رغبته التي لم تعد مكتومة في إمساكه "الرئاسيّ" بخناق المجتمع التركيّ، ومن ثمّ العمل على "تطهيره" بذريعة المحاولة الانقلابيّة، وهو ما يجري راهناً على قدم وساق. والحال أنّ التعبئة الديماغوجيّة ضدّ الأطراف الغربيّة هي دائماً ضرورة ملازمة لمثل تلك السياسات.

ما قد يزكّي وجهة كهذه أنّ إدارة باراك أوباما تعيش أيّامها الأخيرة، فيما أوروبا مأزومة بهمومها الكبرى، السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة.

 وإلى الضعف الغربيّ العامّ، تبدو روسيّا فلاديمير بوتين جاهزة لسدّ بعض الفراغ الذي سيرتّبه تراجع العلاقات مع أوروبا وأمريكا، من دون أن تزعج الحاكم التركيّ بمطالبات تتعلّق بحقوق الإنسان والديمقراطيّة وما سوى ذلك. وإذا صحّ أنّ خلافات جدّية لا تزال قائمة بين موسكو وأنقرة حول الشأن السوريّ، فإنّ أردوغان عوّدنا على الانقلابات غير المتوقّعة بما يخدم مصالح آنيّة ومباشرة.

على أيّة حال، كان رئيس الجمهوريّة التركيّ قد بادر، قبل المحاولة الانقلابيّة، إلى طيّ صفحة النزاع مع روسيّا باعتذاره من بوتين عن إسقاط الطائرة الحربيّة. أمّا اليوم، ومنذ قيام الانقلاب وفشله، فيتكاثر الكلام عن آفاق التعاون الاقتصاديّ المفتوحة، من السياحة إلى مرور النفط، انتهاء بإمكان عودة السلع الغذائيّة التركيّة إلى الأسواق الروسيّة.

وربّما كان أهمّ من هذا وذاك تشابه الحاكمين الجارين، بوتين وأردوغان. فالاثنان شعبويّان برداء برلمانيّ (وإن كان أكثر جدّيّة في تركيّا منه في روسيّا)، وقوميّان يلعب الدين دوراً بارزاً في نزعتهما القوميّة (وفي تركيّا أكثر من روسيّا). ثمّ إنّ طموحهما لأن يكونا "زعيمين" أكبر كثيراً من رغبتهما في أن يكونا رئيسين منتخبين لفترة زمنيّة معيّنة وبصلاحيّات محدّدة.

وهذه، على العموم، تسمح بالقول إنّ طريق موسكو قد يكون الطريق المعبّد أمام أردوغان في فراره من واشنطن وبرلين وباريس. وهذا أيضاً تقليد معروف.