الخميس 28 يوليو 2016 / 15:09

تركيا وأمريكا.. بين انقلاب 1960 الناجح و2016 الفاشل

في نقاشاتهم حول المحاولة الإنقلابية الأخيرة في تركيا، وجد مراقبون، ومنهم مشاركون في أبحاث موقع وور أون ذا روكس الأمريكي، أوجه شبه كبيرة مع انقلاب آخر حصل في تركيا في عام 1960.

عندما لم يلبّ طلب كنيدي، وأعدم مندريس، لم تصعد أمريكا ضغوطها على تركيا

في هذا السياق، كتب نيك دانفورث، محلل سياسي رفيع المستوى في مركز بايبارتيزان الأمريكي للأبحاث، بأن انقلاب عام 1960 كان أول انقلاب حقيقي في تاريخ الجمهورية التركية، حيث أطاحت مجموعة من الضباط من رتب متوسطة المستوى، حكومة منتخبة شعبياً، تحولت تدريجاً إلى سلطة مستبدة تعتمد على الخطاب الديني.

وثيقة كاشفة
ولكن خلافاً لانقلاب 15 يوليو (تموز)، نجح انقلابيو 1960، ووضعوا الناتو أمام تحد لالتزامه بخطابه المثالي الديموقراطي. وقد بدا أثر ذلك التوتر في مذكرة تحكي ما جرى في أول محادثة تمت بين السفير الأمريكي آنذاك في أنقرة، مع جنرال صار رئيساً، في عام 1960. وتوضح تلك الوثيقة كيف كانت واشنطن مستعدة للتعاون مع الحكومة الجديدة، مما يلقي الضوء على بيان وجهه جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، لأنقرة بشأن وجوب احترام" متطلبات الناتو الديموقراطية".

تأييد
ويلفت الكاتب إلى أنه، وقبل انقلاب عام 1960، كان رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، زعيماً مؤيداً جداً لأمريكا. ومنذ وصوله إلى السلطة في أول انتخابات ديموقراطية قبل عشر سنوات، طبق مندريس إصلاحات السوق المفتوح، وأدخل تركيا في حلف الأطلسي. ولا عجب أنه كان مقبولاً من الحكومة الأمريكية، وخاصة بالنسبة للسفير الأمريكي في أنقرة، فليتشر وارين الذي لمس بعض العاملين في السفارة، أنه كان متسامحاً مع أخطاء مندريس.

تكذيب
ويشير دانفورث إلى أنه خلافاً لنظريات المؤامرة الواسعة الانتشار في تركيا حيال دعم الولايات المتحدة للانقلاب، وهي نظريات يتردد صداها اليوم، يسترجع ديبلوماسي أمريكي تلك الأحداث، ويقول إنه لو كان وارن قد علم مسبقاً بخطة الانقلاب، لكان بالتأكيد نقلها إلى مندريس. ونتيجة لذلك، تقول شائعات إنه ما إن استولى الانقلابيون على وزارة الخارجية، حتى سارعوا إلى التدقيق في الأرشيف، للتأكد من عدم وجود معاهدة سرية بين أمريكا وتركيا، تقضي بتدخل واشنطن من أجل حماية مندريس.

خشية
ويقول الكاتب أن الحكومة الأمريكية كانت تخشى أن يتقارب زعماء الانقلاب الجديد في تركيا مع الاتحاد السوفياتي. ولكن في أول بيان أصدروه ، عبروا عن التزامهم بالناتو، مما ساعد على تهدئة المخاوف، وشارك عدد من كبار ضباط الجيش التركي في برامج تدريب عسكرية أمريكية.

وهكذا سارع السفير الأمريكي إلى مدح جمال غورسيل، رئيس الدولة الجديد، لإنجازه "أسرع وأكفأ انقلاب". و كرر وارن تأكيده أنه "لن يثير له متاعب، بل سيساعد في حلها".

ثمن
ولكن، يقول دانفورث، لم يأت تأييد السفير الأمريكي للانقلاب في ذلك العام، دون ثمن. فقد اشترط "التحرك بسرعة من لإجراء انتخابات نزيهة، وعدم إساءة معاملة رئيس الوزراء المخلوع". وبالفعل أجريت انتخابات في تركيا في وقت لاحق.

لكن رغم تأكيد الجنرال غورسيل أن مندريس سيلقى معاملة جيدة، فقد تم سجنه في جزيرة، وتمت مراقبة رسائله إلى أسرته، ومن ثم حوكم وصدر حكم بإعدامه.

ويلفت الكاتب إلى أن الرئيس الأمريكي الأسبق، جون إف كينيدي، شعر بواجب حماية صديق أمريكا السابق، مندريس، وطالب الحكومة التركية بعدم إعدامه. ولكن عندما لم يلبّ طلب كنيدي، وأعدم مندريس، لم تصعد أمريكا ضغوطها على تركيا.

شبح إعدام مندريس
وخيم شبح إعدام مندريس طويلاً على تركيا، وفي السنوات الأخيرة، لطالما وصفه أردوغان بعبارة "الشهيد الديموقراطي".

واليوم، وعقب فشل الانقلاب في تركيا والذي هدد حياة أردوغان، لا شك في أن الرئيس التركي يجري اليوم مقارنات قوية. فقد وجه مسؤولون أتراك سلسلة من الاتهامات في شأن تورط الولايات المتحدة في العملية الأخيرة.

وفيما تشير الوثيقة التاريخية الصادرة في عام 1960 إلى ما يكمن وراء هذا الغضب والشك التركي، فإنها توحي أيضاً بأنه مهما اتخذ أردوغان من مواقف أوتوقراطية، في أعقاب الانقلاب، فليس من المحتمل أيضاً، أن يصطدم بمتطلبات الناتو.