الأحد 7 أغسطس 2016 / 17:54

المثقف والدكتاتوريات الدينية

أنطونيو غرامشي الفيلسوف الإيطالي يقول كل الناس مفكرون ولكن مهمة المثقف لا يقوم بها كل الناس، غرامشي الذي أطلق تسمية المثقف العضوي على من يحمل هموم مجتمعه ويتفاعل معه ويرتبط بقضاياه ارتباطاً مصيرياً قد وضع المثقفين في خانتين، خانة المثقفين التقليديين وهم أساتذة الجامعات والكهنة والفلاحون والعمال وقد عرّفّ هؤلاء بأنهم الذين يفكرون في حدود أعمالهم ووظائفهم ولكنه تفكير راكد غير حيوي ومكرر أما الخانة الأخرى فهي خانة المثقفين النخبويين المنتجين للمعرفة. 

مشكلتنا أننا نستنسخ الأفكار المعرفية وخاصة الغربية منها ونبني عليها ركائز مهمة من ثقافاتنا متناسين أن هناك فوارق كثيرة تحول دون أن نتآلف تماماً مع تلك الثقافات .. أهم تلك الفوارق البيئة أو الحاضنة الإجتماعية بكل تقاليدها وأعرافها وتراثها الإنساني.

جوليان بندا الفيلسوف الفرنسي قال في كتابه خيانة المثقفين بأنهم جماعة قليلة أو عصبة من الذين يمتلكون قدرات ومواهب فائقة ومهمة إضافة إلى أنهم معبأون بأخلاق رفيعة .. إنهم العلماء والمتعلمون بالغو الندرة كما يقول بندا.

بندا بهذا التوصيف يطرح فكرة المثقف الكوني أو المثقف الأوروبي والكنائسي تحديداً .. الراهب الكاهن أو رجل الدين الذي أقصاه العقل الغربي فيما بعد وبإقصائه اكتشف وابتكر واخترع وأبدع ولو لم يفعل ذلك لظل حبيس كل ما هو خرافي وأسطوري وغيبي .. ذلك العقل الذي ترك الدين داخل الكنسية ومنع كهنتها ورهبانها من التقرب لكل ما هو سياسي حتى صار واحدهم يُحكِم أقفال الأبواب خلفه إذا أراد أن يتصفح جريدة.

حينما يكون لرجال الدين سلطة واسعة ومتنفذة فهذا يعني إنزال كافة السلطات الأخرى إلى ما دون سلطتهم بما في ذلك السياسي والمثقف .. كثيراً ما ينطبق هذا الكلام على المجتمعات الإسلامية خاصة تلك التي تنظر إلى رجال الدين بقدسية تتجاوز بها حدود كل شيء ومن هنا أسهمت تلك المجتمعات بإنشاء الديكتوريات الدينية بكل ثيوقراطيتها المتخلفة.

هذا النوع من الديكتاتوريات الاستحواذية ذات الغطاء الديني أو التديني كثيراً ما تصيب الناس بالدهشة .. إنها تشتغل بمهارة فائقة على منطقتي العاطفة والغيبيات .. هاتان المنطقتان هما الأرض الرخوة للمندهشين والتي مكّنت رجال الدين من السيطرة والتسلط عليهم وتحويلهم إلى أناس مستضعفين لهم مع أن أهم شعار ترفعه تلك الديكتاتوريات هي نصرة المستضعفين في الأرض!

عندما حكمت الإمبراطورية الرومانية بإرستقراطية سياسية عنيدة كانت قوية ومهابة وعندما سمحت بطغيان ما هو ديني على ما هو سياسي سقطت وتلاشت.

هناك مثقفون لفرط قدسيتهم لرجال الدين استنسخوا قاموسهم اللفظي ومصطلحاتهم المحكية اليومية وأسقطوهما على منتجهم الأدبي .. إنه العوق الفكري الذي استشرى بقوة منذ أن تأسست مافيات الإسلام السياسي في منتصف خمسينيات القرن المنصرم حتى ما يسمى بالثورات الإسلامية والتي أثقلت كاهل العقل المعرفي بتخرصاتها وشعاراتها الجوفاء.

المثقف الذي ينحاز إلى سلطة هذه الدكتاتوريات ويدافع عنها ويمجّدها عليه أن يجد له عملاً آخر غير الثقافة، يهدر وقته به..