السبت 27 أغسطس 2016 / 20:56

الملك والرئيس وفتح

لفت نظر المراقبين السياسيين جملة وردت في البيان المصري الأردني المشترك، الذي صدر عقب اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله بن الحسين في القاهرة مؤخراً.

الجملة اللافتة كانت إشادة الملك والرئيس ببيان صادر عن اللجنة المركزية لحركة فتح، ونظراً لأن تثمين بيان للجنة المركزية يعتبر من الأمور النادرة، فقد أغراني ذلك للتفتيش عن بيان اللجنة المركزية وقراءته بإمعان، وهذا ما فعله كثيرون غيري من الفلسطينيين .

"الجملة النادرة" تظهر عناية بلدين مهمين بالنسبة للفلسطينيين بأمر وحدتهم وتماسك وضعهم الداخلي، نظراً لأن الشأن الفلسطيني بالنسبة لمصر والأردن هو شأن داخلي بامتياز، أي أنه يمس الأمن القومي في كلا البلدين بصورة مباشرة.

والإشادة بفتح هي نوع من التشجيع على فتح ورشة إصلاح داخلي في الحركة الكبرى، انطلاقاً من حقيقة موضوعية مجربة، وهي أن فتح هي الباب الفلسطيني الرئيسي الذي لابد وأن تعبره أي محاولة إصلاحية أو توحيدية للبيت الفلسطيني بإجماله، كما أن فتح وعبر قيادتها طويلة الأمد للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري، وتفاعلها العميق مع المحيط العربي، ومرونتها المشهودة التي فتحت العالم أمام منظمة التحرير وعدالة وأهمية القضية الفلسطينية، فتح من خلال ذلك كله صار ينظر إليها على أنها قوة التوازن الداخلي في شأن الخيارات الفلسطينية، لهذا تكرست في نظر العالم ومعسكر الاعتدال العربي كرقم أساسي، ولكن يعتريه قدر من الوهن والضعف والتفكك لا يهدد مكانتها في الساحة الفلسطينية فقط، وإنما ينعكس سلباً على حلفائها والمراهنين عليها، خصوصاً في هذا الزمن الذي انكشفت فيه الأنظمة العربية جميعاً أمام تحديات داخلية وخارجية تهدد ليس الأنظمة فقط وإنما الكيانات بأخطار مصيرية.

كانت فتح وعلى مدى عقود صاحبة الاحتكار الكامل للخيارات السياسية الفلسطينية، وصاحبة النفوذ الحاسم في الإطار السياسي والقيادي ... منظمة التحرير الفلسطينية، لم تكن فصيلاً من فصائل متعددة ولم تكن حزباً أو تشكيلاً تحكمه أطر فولاذية بل كانت ظاهرة شعبية تهيمن على الفلسطينيين أينما وجدوا، ورغم خلافاتها مع الجوار العربي حد الاقتتال أحياناً، إلا أنها ظلت بتكوينها العام وتحكمها القوي بالحالة الفلسطينية ومخرجاتها هي الأسهل في التعامل مع الجميع، وهي الأقدر على تخليص الفلسطينيين من التجاذبات الحادة المحيطة بهم، كما كانت بحكم التكوين والمسؤولية الأقرب إلى إنجاز تسوية سياسية مع إسرائيل وفتح خطوط مع أعداء الأمس، وعلى رأسهم بالطبع الولايات المتحدة.

كانت فتح والحالة هذه رصيداً مهماً للاعتدال العربي حين ذهبت إليه الدول الرئيسية وفي طليعتها مصر والأردن، وحين جازفت من خلال منظمة التحرير الفلسطينية في إبرام الاتفاقيات الأولية مع اسرائيل وانسجمت مع مصر والأردن في الاعتراف بها، صارت عموداً من أعمدة البناء العربي الجديد وجزءاً من منظومة العلاقات الجديدة كذلك، لذا لم يعد الخلل المستفحل فيها شأناً داخلياً خاصاً بها، فكانت أول أعراض هذا الخلل أن فقدت مكانتها التقليدية في الحالة الفلسطينية وتراجع الرهان العربي عليها إلى الحدود الدنيا، وظهر الخلل الداخلي فيها وبالوقت غير المناسب، كما لو أنه خلل في مشروع الاعتدال العربي، لهذا يفهم الموقف المصري الأردني الأخير على حقيقته وبقدر ما يعكس من حرص على وضع فتح ومكانتها الفلسطينية والعربية إلا أنه لا يخفي قلقاً عميقاً على عدم نجاح فتح في استعادة قوتها المتبددة، ما يضعف من الرهان عليها في وحدة الشعب الفلسطيني بمختلف قواه الفعالة ومن ضمنها الإسلام السياسي المنافس الأقوى لفتح الوطنية والقومية والعالمية.

لا أعرف هل سيكون التشجيع المصري الأردني كافياً لإنهاء ظاهرة التشرذم الداخلي في هذه الحركة الكبرى أم أن الأمر بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، والبداية الفعّالة لا بد وان تكون فلسطينية خالصة.