الإثنين 29 أغسطس 2016 / 21:16

من خُرافات العنف

فلمدة ٤٠ سنة كشفت الدراسات أن التنفيس يزيد من معدلات العنف في المجتمع... فممارسو الرياضات العنيفة ككرة القدم عندهم زيادة في معدلات العنف

كنت طالباً في الثانوية الاسكتلندية عندما بدأ الغزو الأمريكي للعراق في عام ٢٠٠٣... حينها رأى استاذ الرياضيات علامات الغضب على تلاميذ فصله من العرب الذين كانوا منقسمين بين مؤيد ومعارض للحرب... كان سبب الانقسام أقرب لكونه لأسباب مذهبية منه إلى معطيات موضوعية... ولتخفيف الاحتقان بين الطلبة الذي خشي الاستاذ "ألِن" أن يتحول إلى اشتباك بالأيدي والحقائب المدرسية يُحاكي ما شاهده في ماكينة الإعلام المحلي التي تتحدث عن الشرق الأوسط... طلب منّا أن نتوجه لبيوتنا ونتابع أخبار الحرب في التلفاز والإنترنت وأن نتحدث مع ذوينا حتى نتمكن من تنفيس الغضب الذي نحمله في داخلنا... قمنا بذلك بالفعل ولم يغير ذلك من مشاعرنا ولا من نتيجة الحرب...

قبل ذلك بثلاث سنين... اندلعت الانتفاضة الثانية بعد مقتل محمد الدرة بطريقة وحشية على يد جنود إسرائيليين... أيضاً تم تنفيس غضب الطلبة في المدرسة عن طريق إضرام النار في العلميْن الأمريكي والإسرائيلي والصراخ بعبارة "خيبر خيبر يا يهود... جيش محمد سيعود"... أما أعضاء القاعدة فقد كانوا يتبعون وسائل أكثر عنفاً للتنفيس عن غضبهم من المؤامرة "الصهيوأمريكية" تمثل في ردود أفعال دموية ضد أهداف مدنية حول العالم كله ما عدا إسرائيل... فشملت ضرباتهم التنفيسية نيروبي ودار السلام والخُبر وبالي ومدريد ولندن... في ذلك الوقت كان يتردد على مسمعي أن الغضب الداخلي للإنسان يجب أن يتم تنفيسه بطريقة ما وإلا سيؤدي كبْته إلى ردود أفعال لا تتفق مع قانون نيوتن الثالث الذي يقول أن لكل فعل ردة فعل تساويه في المقدار وتعاكسه في الاتجاه... فهل التعبير عن الغضب أفضل من كتمانه؟ وهل يصح تبرير كل ما ينتج عنه من مضاعفات مضاعفة؟

بعض الناس يُنفسون عن غضبهم عن طريق الصراخ الذي يمنحهم شعوراً قصير الأجل بالتحسن في الحالة المزاجية... ودعم ذلك الاعتقاد حشد هائل من وسائل الإعلام يتقدمه مقالات وأفلام وبرامج صوّرت أن التنفيس عن الغضب سيشعرك بالارتياح... بل حتى مؤسس مدرسة التحليل النفسي "سيجموند فرويد" كان يرى أن الغضب المكبوت قد يستفحل ويتحول إلى هيستيريا وعدوانية مفاجئة إذا لم يتم التنفيس عنه تماماً مثل البخار في قِدر الضغط، وصار بعض المعالجين النفسيين ينصحون مرضاهم بالصراخ ولكْم الوسائد للتنفيس عن غضبهم...

يشير مؤلفو كتاب (أشهر ٥٠ خرافة في علم النفس) في الخرافة رقم ٣٠ إلى أن الأبحاث تشير إلى عدم صحة فرضية التنفيس هذه، وإلى خطأ من يقول أن التعبير عن الغضب أفضل من كتمانه... بل على العكس من ذلك، فلمدة ٤٠ سنة كشفت الدراسات أن التنفيس يزيد من معدلات العنف في المجتمع... فممارسو الرياضات العنيفة ككرة القدم عندهم زيادة في معدلات العنف... ومدمنو ألعاب الفيديو العنيفة مثل لعبة "صيد البشر" مرتبطون بمعدلات عنف متزايدة في الحياة اليومية... فالغضب لا يُنفس عن المشاعر المكبوتة بل يزيد من حِدَتها... فالصراخ في وجه شريك الحياة بسبب تأخره المتكرر لن يحل المشكلة، لكن ما قد يحل المشكلة هو تعبير المرء عن حنقه في ثقة وهدوء...

الخرافات النفسية المرتبطة بالعنف متدوالة بغزارة في أحاديثنا وسأشير إلى أربع منها باختصار:

(1)
الخرافة: المجموعات الكبيرة تتخذ قرارات أكثر اعتدالاً
الحقيقة: المجموعة تميل لاتخاذ قرارات أكثر تطرفاً من قرارات الفرد الواحد

(٢)
الخرافة: تُنبئ آراء الفرد التي يتلفظ بها بسلوكياته وأفعاله.
الحقيقة: آراء الفرد مؤشرات تنبؤية ضعيفة على سلوكياته.

(٣)
الخرافة: الفقر والجهل سببان رئيسيان للإرهاب والعمليات الانتحارية.
الحقيقة: الجزء الأكبر من منفذي هذه العمليات على درجة جيدة من الثراء وتلقوا تعليماً جيداً.

(٤)
الخرافة: غالبية أعضاء الطوائف الدينية يعانون من اضطربات نفسية.
الحقيقة: غالبية أعضاء الطوائف الدينية لا يعانون أمراضاً نفسية حادة... ومنفذو العمليات الانتحارية لم يكونوا يعانون من اضطرابات في الشخصية.