الإثنين 29 أغسطس 2016 / 22:50

عن المهدي الذي سيأتي بسفينة فضائية

ربما تكون أسطح منازل كثيرة قد تحولت إلى نقاط رصد ومراقبة في انتظار وصول المهدي، فنحن نعيش في زمن لا حدود فاصلة فيه بين الحقيقة والكذب، وبين الواقع والخيال

من أطرف ما قرأت في اليومين الأخيرين، وربما منذ تعلمت القراءة، رد المرجع الشيعي الإيراني ناصر مكارم الشيرازي على سؤال حول عودة المهدي المنتظر.

يقول الشيرازي إن المهدي المنتظر سيعود إلى الأرض في آخر الزمان، ولا يوضح المرجع المبجل ما يعنيه بآخر الزمان، وبأي تقويم يمكن حسابه. لكنه يقدم صورة مفصلة لهذه العودة بكل وقائعها الدرامية، ويؤكد أن الامام المهدي سيجيء على متن سفينة فضائية تسير بسرعة البرق، وسيكون وصولها إلى الأرض مصحوباً برعد قوي يصم الآذان وضوء قوي يبهر العيون. ويضيف أن هذه السفينة التي تحمل الإمام هي نتاج تكنولوجيا فائقة التطور ولا يعرفها البشر حالياً، وهي قادرة على إشاعة نور يغني عن ضوء الشمس، ومزودة بكاميرات قادرة على اختصار صورة المشهد الأرضي بكل تفاصيلة الكبيرة والصغيرة في صورة بحجم كف اليد. ويطمئن المؤمنين إلى أن كل أجهزة المخابرات في العالم لن تكون قادرة على رصد السفينة، ناهيك عن تعطيلها أو إعاقة سيرها.

ويمضي الشيرازي في خياله العلمي ليوضح لنا أن حكم الإمام للأرض سيتسم بالعدالة وبالقدرة على ضبط الأمن بصورة محكمة لأن جدران البيوت الأرضية ستصدر موجات وذبذبات صوتية مميزة إذا دخلها مجرم أو خارج عن قانون الإمام.

بالطبع، لم يكن الشيرازي يروي حلماً، ولا كان يسخر من قرائه ومستمعيه، بل كان جاداً تماماً، ومقتنعاً حد الإيمان بهذه الترهات التي تملأ عقله المسكون بالخيال. وهو بذلك لا يختلف كثيراً عن أقرانه في المرجعية ولا عن نظرائه الآخرين من الشيوخ الذين يصدرون الفتاوى الغريبة والمضحكة عن أول الزمان وآخره.

تذكرت، حين قرأت الخبر المضحك، ما كنت كتبته قبل سنين عن سفينة فضائية تقل مخلوقات غريبة هبطت في منطقة الجفر في جنوب الأردن.

كان ذلك الخبر كذبة أردنا بها مداعبة قراء الصحيفة في الأول من إبريل (نيسان)، كما تفعل صحف كثيرة في الغرب. وقد اخترت واقعة غير ممكنة التحقيق، وتعمدت المبالغة في الوصف للإيحاء بأن الخبر مجرد دعابة للقارئ في يوم الكذب. لكن المعنيين لم يقبلوا هذه الدعابة، وانهالت الاتصالات على الصحيفة من كل حدب وصوب، للاستفسار عن شكل السفينة ومواصفات المخلوقات الفضائية وعددها. وقد علمت أن وكالات أنباء أرسلت مراسليها إلى الجفر لتصوير الموقع والكتابة عنه! وعندما أوضحنا في اليوم التالي أن الخبر المنشور كان "كذبة إبريل" تلقينا اتصالات من نوع آخر، وكانت اتصالات غاضبة من سماجتنا ومن استهتارنا بالآثار الضارة المترتبة على نشر هذا الخبر الكاذب، ومنها ضرب الموسم السياحي في البلدة التي لا نشاط سياحياً فيها.

الفرق بين ما كتبه الشيرازي قبل أيام وما كتبته قبل سنين، هو أنني كنت أعرف أنني أكذب على القارئ، بينما الشيرازي يؤمن بما كتبه معتبراً إياه حقيقة ربانية.

تعالوا نتخيل أننا نصدق الشيرازي، ولنصعد كلنا إلى أسطح منازلنا ونعسكر عليها في انتظار رؤية سفينة المهدي وهي تقترب من الأرض، وأن نحاول التقاط صور للسفينة بكاميرات هواتفنا المحمولة، وأن نحتفظ بتسجيل بالصوت والصورة لهذه اللحظة التاريخية الخارقة، لنكون من أوائل المحظيين ببركات المهدي.

أزعم أن هناك من يفعل ذلك الآن، وربما تكون أسطح منازل كثيرة قد تحولت إلى نقاط رصد ومراقبة في انتظار وصول المهدي، فنحن نعيش في زمن لا حدود فاصلة فيه بين الحقيقة والكذب، وبين الواقع والخيال، ونحن نهرب من حقيقة تخلفنا إلى كذب الإدعاء بالوعي المتقدم على العلوم، وهو الوعي الماورائي، ونهرب من واقعنا المفجع إلى خيالنا الخصب لنبث الروح في أوهامنا.

لكننا، ببركة الشيرازي وأقرانه الذين يتكاثرون كما البكتيريا، سنحكم الأرض كلها في زمن ما. وسنكون أسياد الكوكب حين تختار الأمم والشعوب الأخرى الحياة في كواكب أخرى جديدة تصل إليها بسفن فضائية حقيقية وبتكنلوجيا خارقة فعلا.