الخميس 15 سبتمبر 2016 / 17:04

لقاء محمد بن زايد والبابا: كبيران يزرعان نبتة السلام

من النادر أن نجد بلاداً يعيش فيها بشر ينتسبون الى أكثر من 200 جنسية على مختلف دياناتهم وميولهم وثقافاتهم بسلامٍ ومحبة مثل دولة الامارات العربية المتحدة، وهذه النُدرة لم تكن صدفة بل هي تأسيسٌ لبناء مجتمع إماراتي متماسك واعٍ ومتحضّر، إنه الخيار الذي انفردت به الدولة في احترامها للإنسان فتميزت بهويتها الإسلامية والأخلاقية الثابتة على ركائز الأعراف والتقاليد المجتمعية والتعايش وفق رؤى بنّاءة ومُحفّزة لقبول الآخر والتعامل معه بوصفه الإنساني وليس الديني أو العقائدي.

ومن هنا كانت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للفاتيكان ولقاؤه البابا فرانسيس رسالة بالغة الأهمية، تؤكد تبنّي الخطاب الذي يرسّخ القيم العليا للتعايش السلمي، موقفاً ثابتاً ومنهجاً مبدئياً، يدعم وينشر الروح التسامحية الرسالية للديانات السماوية لنبذ العنف والإرهاب والتشدد.

هذه الزيارة التاريخية دعوة لتبادل الثقافات وصناعة حوار حضاري تنويري رافض لتراكمات الكراهية وعرّابيها الذين أوصلوا العالم أو كادوا الى مهاوي الفِرقة وأتون الظلاميات، وما الحفاوة التي أُستقبل بها سموه إلا دليل على أن البابا يعي تماماً عمق الأسس الإنسانية والموروث الإخلاقي التي تم بناؤها وترسيخها في دولة الإمارات جيلاً بعد جيل من أجل تعزيز الاعتدال والوسطية والحث على فرز وإدامة نقاط الالتقاء في المشتركات ما بين الأديان والتضييق على مساحات العنف والإرهاب ومحاربتها ودحرها والتي هي نتاج التطرف الذي يغذيه متشددو الفكر الظلامي والتعصّب العابث بمقدرات الإنسان وحياته الكريمة، والذين مهّدوا وعبّأوا لثقافة الكراهية التي وُلد الإرهاب بكل مسمياته في رحمها والذي عانت وتعاني منه الدول كافة من أجل إعادتها الى عصور ما قبل الحضارة والمَدَنية حين كانت الأرض غارقة في وحول التخلف والبربرية والهمجيات المقيتة.

وتعدّ الزيارة تجسيداً حياً لفاعلية الإصرار على أن لا حياة للفكر الديني المتطرف والمغالي، وأن الحياة كل الحياة للإنسان المتحرّر من سلطة الرجعية الدينية الناقمة على كل ما هو مفعم بالجمال وهي إثبات لا يقبل الشك على أن الخطاب الاسلامي المتشح بحيوية الفكر الموضوعي المعتدل هو الذي سيتصدر الواجهة بكل اشراقاتها ولا موطئ قدم للتشدد والتعصب والفرقة فيها.

مبعث للفخر والاعتزاز أن يلتقي هذان الكبيران وهما يزرعان نبتة السلام والإلفة لتستظل بفيئها الأجيال القادمة حيث العالم المزدهر والمرتكز الى ثوابت الحوار والإحترام والتسامح. إنها الزيارة التي تعمّق العلاقة وتؤصلها وتعزز من مكانة دولة الامارات كراعية ورائدة للتعايش الإنساني السلمي على أرضها الطبية المعطاء.