الأحد 25 سبتمبر 2016 / 19:01

الحريق السوري وحصاده المر

سورية ما بعد الحريق لن تكون تلك التي عرفناها قبله. ولا يبدو من السابق لأوانه القول إن هذا ينسحب، أيضاً، على العلاقات الدولية، والقيم السائدة في المجتمع الدولي

لا يمكن لعاقل تعليق آمال كبيرة على إمكانية إطفاء الحريق السوري في وقت قريب. ولعل أقرب البراهين، في هذا الشأن، فشل اتفاق وقف إطلاق النار الروسي ـ الأميركي، وسط اتهامات متبادلة من الجانبين. ويصعب، في الواقع، غض النظر عن دلالة هذا الفشل، فروسيا وأمريكا هما أقوى وأهم اللاعبين الدوليين في سورية، ويمكنهما التأثير على قوى كثيرة محلية، وإقليمية، على الأرض. ومع ذلك، لم تُسهم هذه المكانة في إنجاح الاتفاق. ومنشأ الفشل في هذه الحالة، كما في حالات سبقت، تعدد وغموض وتناقض الأجندات المحلية والإقليمية والدولية.

على جانب آخر، احتفت المنابر الإعلامية الموالية لنظام آل الأسد يوم أمس (السبت) بالسيطرة على معسكر حندرات شمالي حلب، ولكن فصائل المعارضة المسلحة تمكنت في مساء اليوم نفسه من استعادة المعسكر المذكور. وهذا يعني أن المكاسب الميدانية التي يحققها هذا الطرف أو ذاك ليست نهائية في كل الأحوال، بل حلقات في سلسة طويلة من عمليات الكر والفر، في حرب استنزاف طويلة، يصعب فيها الحسم. فلا النظام، ولا فصائل المعارضة المسلحة، يستطيعان تحقيق نتائج نهائية وحاسمة. وهذه الدلالة تقلل، أيضاً، من إمكانية الرهان على إطفاء الحريق السوري في وقت قريب.

لا نعرف كم سيبقى من سورية، وفيها، بعد إطفاء الحريق السوري، في وقت ما. ولكن، من المؤكد أن سورية ما بعد الحريق لن تكون تلك التي عرفناها قبله. ولا يبدو من السابق لأوانه القول إن هذا ينسحب، أيضاً، على العلاقات الدولية، والقيم السائدة في المجتمع الدولي. فثمة ما يبرر التفكير في حقيقة أن الحريق السوري ترك، وسيترك، آثاراً سلبية كثيرة على العلاقات الدولية، والقيم السائدة في المجتمع الدولي.

فلم يكن من المنطقي، والمقبول، بالمعنى السياسي والأخلاقي، قبل الحريق السوري، التساهل مع نظام يقصف مواطنيه بالبراميل المتفجرة، وصواريخ سكود، والأسلحة المحرمة دولياً، ويفرض عليهم الحصار، ولكن نجاح النظام في الحصول على حماية ودعم حلفاء أقوياء كروسيا وإيران، أسهم في تآكل الفعالية الأخلاقية والسياسية للمنطقي والمقبول في العلاقات الدولية.

وحتى وقت قريب، كانت الحماية الأمريكية للاحتلال الإسرائيلي، في المحافل الدولية، رغم انتهاكه للمنطقي والمقبول في العلاقات الدولية والقيم السائدة في المجتمع الدولي، مصدر تشكيك دائم في صدقية ونزاهة السياسة الأمريكية، لا في نظر العرب وحسب، ولكن في نظر شعوب وحكومات كثيرة في أربعة أركان الأرض. ولكن في حماية روسيا وإيران لنظام آل الأسد، ما يبرر القول إن السابقة الإسرائيلية ـ الأميركية لم تعد فريدة ووحيدة.

وهذا يعني أن شن هذا النظام أو ذاك، في مناطق مختلفة من العالم، الحرب على شعبه، أو على قطاعات واسعة منه، يصبح ممكناً إذا نجح النظام المعني في الحصول على ضمانات بالحماية والبقاء من جانب حلفاء أقوياء.

وثمة مسألة إضافية تتصل بحق الجيران الإقليميين، واللاعبين الدوليين، في التدخل بالمال والسلاح، في هذا البلد و ذاك، دعماً لفريق ضد آخر. والواقع أن ميوعة موقف المجتمع الدولي في اتخاذ موقف حاسم ومُوّحد، تحت مظلة الأمم المتحدة، من نظام آل الأسد، قد أسهم في إضفاء قدر غير مسبوق من الميوعة والفوضى، على أمر كهذا، إلى حد يعيد التذكير بشريعة الغاب.

ولم يكن للميليشيات الإرهابية العابرة للحدود والقوميات أن تظهر إلى الوجود، وأن تحظى بدعم يكاد يكون علنياً أحياناً، من جانب هذا الطرف أو ذاك، لولا الميوعة والفوضى، التي طرأت على حدود ومعنى وشرعية تدخل أطراف إقليمية ودولية في صراعات داخلية تشهدها بلدان أخرى.

كل ما تقدم يمثل الحصاد المر للحريق السوري، الذي لم تخمد نيرانه بعد. وليس من السابق لأوانه القول إن ما نجم عنه، حتى الآن، ينبغي أن يقرع أكثر من جرس للإنذار، وأن يُشعل أكثر من ضوء أحمر.