جانب من فعاليات مؤتمر "القادة لحروب المستقبل" (تصوير: أشرف زين الدين 24)
جانب من فعاليات مؤتمر "القادة لحروب المستقبل" (تصوير: أشرف زين الدين 24)
الأحد 25 سبتمبر 2016 / 20:02

24 ينشر وقائع اليوم الأول من مؤتمر "القادة لحروب المستقبل" أبوظبي

ناقش مؤتمر "القادة لحروب المستقبل" الذي انطلقت فعالياته اليوم الأحد، ، انطلقت صباح اليوم الأحد فعاليات مؤتمر "القادة لحروب المستقبل"، سبل مواجهة تحديات حروب المستقبل، وخصائص الصراعات المعاصرة والمستقبلية خلال العقد المقبل، والمشهد الجيواستراتيجي في المنطقة الحالي والمقبل، والتوجهات في الصراعات الخارجية، والقدرات الداخلية في الصراعات الخارجية والآثار المترتبة عليها، ونهج الأمن القومي لحماية الداخل، والتحديات الأمنية الداخلية لدولة الإمارات، والتهديدات الإلكترونية الخاصة بالإمارات.

وحضر افتتاح المؤتمر الذي يقام تحت رعاية ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وتنظمه وزارة الدفاع بدولة الإمارات بالتعاون مع "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، وزير الدولة لشؤون الدفاع في دولة الإمارات محمد أحمد البواردي، ووزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات الدكتور أنور محمد قرقاش، ونخبة من الخبراء والمتخصِّصين بالقضايا الأمنية والاستراتيجية والعسكرية، وذلك بحضور لفيف من الكتَّاب والصحفيين ورجال الإعلام.

واستهلَّ المؤتمر أعماله بكلمة افتتاحية أولَى لوزير الدولة لشؤون الدفاع محمد أحمد البواردي، قدَّم فيها خالص الشكر والتقدير إلى ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لتفضُّله برعاية هذا المؤتمر، وإلى مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية على تعاونه مع وزارة الدفاع في الإعداد لهذا المؤتمر.

طبيعة الحروب
وتحدث البواردي، بحسب بيان صحافي حصل 24 على نسخة منه، عن التطور الذي طرأ على طبيعة الحروب بطريقة جعلتها تفرض تهديداً عظيماً يواجه أمن الدول، وقال إن "حروب الجيل الرابع هي إحدى النظريات الكثيرة التي تطورت خلال العقود الماضية لوصف الطبيعة الجديدة للحروب وبيانها، فهناك الحروب الهجينة، والحروب غير النظامية، وصراعات المنطقة الرمادية. وعلى الرَّغم من أن كل نوع من هذه الحروب له سماته المميِّزة وأبعاده المتباينة التي يجب علينا أن نعيها جيداً، فإن هناك بعض الخصائص المشتركة بينها".

وأضاف البواردي أن "الحرب التي قد نواجهها في المستقبل لن تشمل القوى التقليدية المعروفة للدول فحسب، ولكنها ستضم أعداءً جدداً مبهمين، وسيكون الصراع غامضاً وطويلاً، مشتملاً على أعمال عنف وتهديدات تختلف عن الحروب المعروفة. وسوف ينتهز أعداؤنا هذا الغموض، مستخدمين التزاماتنا القانونية والمبادئ التي نتبناها سلاحاً ضدنا، ومستغلين الحيِّز بين مؤسساتنا الوطنية".

وأكد البواردي "ضرورة الاستثمار في بناء مؤسساتنا الوطنية بحيث تتسم بالجاهزية والمرونة، وتستجيب لمثل هذه الحروب بصورة عاجلة وفاعلة، ما يحتم علينا، أولاً: الارتقاء بمفهوم الحرب الشاملة لبناء حائط الردع الذاتي على المستويات كافة، وثانياً: تعزيز القدرات الوطنية الاستباقية على التنبؤ بوقوع هذه الحروب، وثالثاً: إطلاق الطاقات الإبداعية الخلاقة بتوفير التدريب والتأهيل اللازمَين للكفاءات المواطنة، ورابعاً: ربط معطيات السياسة والثقافة والإعلام والاقتصاد من ناحية، والمعطيات الأمنية والعسكرية من ناحية أخرى، بما يتيح أفضل توظيف لموارد القوة الشاملة للدولة، وتحقيق رؤية القيادة الرشيدة وتوجيهاتها".

المشهد الجيواستراتيجي
وبعد ذلك، جاءت الكلمة الافتتاحية الثانية للمؤتمر، التي ألقاها الدكتور أنور محمد قرقاش، وتحدث فيها عن المشهد الجيواستراتيجي في المنطقة، وقال إن "ما يميز المشهد الراهن أننا أمام وضع دولي غير مستقر بدأ منذ انهيار القطبية الثنائية، وأن هناك زيادة في عدد اللاعبين في العلاقات الدولية، حيث لم تعد الفواعل تقتصر على الدول، بل ظهرت منظمات مسلحة وإرهابية، كما أن هناك انحساراً في النفوذ الأمريكي على المستوى العالمي مقابل محاولة من روسيا لاستعادة دورها الدولي، وأوروبا منقسمة على نفسها؛ خاصة بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكل هذه المعطيات لها انعكاسات علينا، وتسبب نوعاً من الخلل الإقليمي".

ثم تحدث الدكتور قرقاش عن أهم التحديات التي تواجه المنطقة وهي: أولاً ضعف الدولة القومية، وما تبعه من ضعف المجتمعات العربية. وثانياً سياسة إيران. وقد طالبها بالكفِّ عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. وثالثاً، التطرف والإرهاب اللذان يتطلب القضاء عليهما جهوداً عربية ودولية مشتركة.

وأكد قرقاش أن تجاهل الأزمات لم يعد مجدياً، ولا بدَّ من بناء كتلة عربية وسطية لمواجهة التحديات. مشيراً إلى كلمة وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الأخيرة أمام الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، التي تحدث فيها عن أن الوقائع تفيد بضرورة التركيز على حلِّ الصراعات، وليس مجرد إدارتها.

خصائص الصراعات
وألقى المبعوث الخاص السابق للرئيس الأمريكي إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" الجنرال المتقاعد جون ألين، الكلمة الرئيسية للمؤتمر تحت عنوان "خصائص الصراعات المعاصرة والمستقبلية خلال العقد المقبل"، وتحدث فيها عن التغيُّرات التي طرأت على الحروب، موضحاً أن "الحروب التي يشهدها العالم خلال العصر الراهن أصابتها تغيراتٌ عميقةٌ على مستوى خصائصها، ما ينذر بتحولات أعمق وأشمل قد تلحق الحروب المستقبلية على مدى العقود المقبلة، وهذا يفرض فهم البيئة السائدة، مع الإقرار بوجود منطقة عدم اليقين للتكيُّف مع طبيعة العدو الجديد وأدواته، ومن ثم وضع التقديرات المناسبة للدفاع عن أنفسنا في الوقت الحالي وفي المستقبل، من خلال ما نمتلك من موهبة وتنظيم معاً".

وتحدث الجنرال ألين عن النظريات السائدة حول الحروب والصراعات، وقال إن "النظريات الأساسية في النقاشات الجارية حالياً حول الحروب المعاصرة والمستقبلية تتميز بالتباين والغموض، وتقترح استراتيجية فضفاضة تضعف تدريجياً المجتمعات والحكومات في مواجهة الهجمات المحتملة، ذلك أن متابعتنا مجموعة الأحداث الأخيرة على الصعيد العالمي لفتت انتباهنا إلى ضرورة الاهتمام بالحرب في المنطقة الرمادية، والإلمام بنقاط ضعفنا".

وقال الجنرال جون ألين، "نقصد بالمنطقة الرمادية تلك المنطقة التي تُوظَّف فيها التكنولوجيا، وتعتمد نظاماً قائماً لتحقيق أنشطتها، وهي ذات طبيعة متكاملة ومتماسكة، وتتميز أعمالها بالتدرُّج واستخدام الخداع والتضليل، كما تستغلُّ ضعف الحكومات وتفككها. وبحكم تجربتي، التي راكمتها طوال عقدين من الزمن، في التعامل مع عدد من أنشطتها يمكنني القول إن تجربة تنظيم "داعش" كانت الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إليَّ لاتسامها بالقدرة على تكييف التكنولوجيا الناشئة، وامتلاك المهارة اللازمة في استخدامها؛ ما ساعده على توسيع نطاق التجنيد أكثر من تنظيم "القاعدة"، وذلك اعتماداً على عمله في المجالات الثلاثة: المادي والمالي والمعلوماتي مع احتمال تفرغها لشغل المجال السيبراني، حتى صار "داعش" اليوم يمثل تهديداً نوعياً غير مسبوق، يمكننا تشبيهه بمخلوق ممتدٍّ جغرافياً يتوفَّر على شبكة بشرية واسعة توظِّف وسائل التواصل الاجتماعي، وخدمات الهواتف الحديثة".

الصرعات الخارجية
ومن جانبه تحدث عميد كلية الدفاع الوطني بدولة الإمارات العميد جون بالارد، عن الموضوع الأول للمؤتمر بعنوان "التوجُّهات في الصراعات الخارجية"، وقال إن "طبيعة الحروب معقدة، ولا يمكن تفسيرها بسهولة، ولذلك فإن فهم طبيعة الحرب أمر ضروري ومهم، فهو إحدى أدوات التنبؤ بخصائص الصراعات الحالية والمستقبلية، نظراً إلى تغير جميع المؤثرات الداخلية والخارجية، وعدم وضوح الحد الفاصل بين الحرب والسلام".

وأضاف العميد بالاردن أن وضوح المهمة والهدف من الحملة الخارجية هو السبيل إلى تحقيق النصر والنجاح. وقال إن "التدخلات الدولية في الصراعات المعاصرة فرضت تحديات كبيرة أمام الدول المشاركة، بما في ذلك الحاجة إلى سرعة التكتل والعمل بفاعلية من خلال تحالفات متخصِّصة، ونشر قوات لفترات أطول على مسافات بعيدة عن الدولة، وإدامتها، وإدامة الدعم الداخلي للصراعات الطويلة والمكلِّفة التي تكون المصالح الوطنية فيها غير واضحة، وإدامة قوات مدرَّبة على مهارات اللغات الأجنبية، ولديها وعي بالثقافات الأجنبية، بالإضافة إلى الحاجة إلى تضافر جهود الدولة بأكملها، بما في ذلك جميع أجهزة الحكومات والقطاع الخاص؛ لمنع المخاطر والتصدي للتهديدات".

وبعد ذلك بدأت فعاليات الحلقة النقاشية الأولى تحت عنوان "الآثار المترتبة على التوجهات في الصراعات الخارجية"، ورأسها نائب الرئيس التنفيذي في أكاديمية ربدان الدكتور فيصل العيان، وشارك فيها الجنرال جون ألين، ورئيس أكاديمية ربدان العميد جون بالارد وجيمس مورس.

الضغوط المناهضة للعولمة
أما الموضوع الثاني للمؤتمر، فقد تحدث فيه العضو الباحث المتميز في معهد الدراسات الاستراتيجية القومية، التابع لجامعة الدفاع الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتور توماس إكس هامز، عن "التوجهات في الصراعات الداخلية"، وقال إن "الاتجاهات العالمية، بما في ذلك الديناميكيات الاقتصادية المتغيرة، والضغوط المناهضة للعولمة، تلقي بتأثيراتها على الرخاء والسعادة الداخليَّين للدول، وتحضُّ على التطرف، وتشجع أيديولوجيات العنف داخل الدول".

وأضاف الدكتور توماس إكس هامز "تتفاقم خطورة هذه العوامل بسبب تكنولوجيا الاتصالات، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، التي مكَّنت حركات المعارضة من الاستشراء بصورة كبيرة وسريعة أدت إلى تقويض قدرة الإجراءات السياسية الاعتيادية على مجابهتها. وفي الوقت نفسه نجد التكنولوجيا قد منحت الجهات الفاعلة غير الحكومية انتشاراً دولياً، من حيث التأثير الجماهيري والقدرات الهجومية.

وأوضح الدكتور هامز أن "ترك الساحة خالية لهذه الجهات أو الجماعات قد يمكِّنها من الحصول على أسلحة دمار فتاكة تفوق قوتها التدميرية والقتالية تفجير هيروشيما، وبالتالي لا بد من زيادة الاستثمار في الأمن الداخلي والدعم العسكري والتعاون الدولي، وإدراك تقنيات التعامل مع التهديدات الخارجية لإحباط التهديدات الداخلية؛ إذ لا يمكن مثلاً إغفال التوزيع اللامتساوي للسكان في القرم بين روسيا وأوكرانيا، فلو كانت الأغلبية للأوكرانيين لما حصل ما حصل".

الآثار المترتبة
وبدأت الحلقة النقاشية الثانية بعنوان "الآثار المرتبة على التوجهات في الصراعات الداخلية" ورأسها المدير التنفيذي لمركز هداية الدكتور مقصود كروز، وشارك فيها الدكتور توماس إكس هامز، وأستاذ الدراسات الأمنية الوطنية في كلية كينجز بالمملكة المتحدة البروفيسور جون جيرسون، والمدير التنفيذي في الهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني بدولة الإمارات الدكتور محمد الكويتي.

وتناولت تأثيرات الحروب على دولة الإمارات، بما في ذلك تأثير التهديدات الإلكترونية، وحماية المنشآت الحيوية، والتحديات التي تواجه أجهزة الدولة. وتم تناول مفهوم الأمن الوطني، والإجابة عن تساؤلات حول الإستراتيجيات التي يجب تبنِّيها للتعامل مع التهديدات المستقبلية، خاصة التطرف والإرهاب.

وتحدث الدكتور مقصود كروز عن دور مركز "هداية" في الوقاية من الإرهاب، حيث أقام علاقات مع مختلف مؤسسات الدولة، وله شراكات إستراتيجيَّة خارجها، حيث جرى بناء علاقات إستراتيجية دولية مع عدد من الدول، وذلك لخدمة المصلحة الوطنية. كما تحدث إلى الحضور عن مشاركته مع وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، ووزير خارجية المملكة المتحدة، ومدير عام مجلس أبوظبي للتعليم الدكتور علي راشد النعيمي، في افتتاح أول مركز لــ"هداية" في نيويورك، وهناك خطط مستقبلية للتوسع لتشمل دول البلقان وغيرها.

النظرة الإستراتيجية
كما تناول الدكتور محمد الكويتي توجهات الحرب السيبرانية، وقال إن "دولة الإمارات تتحرك نحو حكومة ذكية بناءً على النظرة الإستراتيجية للقيادة، وهذا يحتم علينا زيادة الاعتماد على تقنية المعلومات"، وأكد أنه لا بد من زيادة الوعي بالتهديدات السيبرانية، وتطوير الجوانب الفنية للحماية والاستجابة، وإضفاء مزيد من الوعي بالمخاطر الناجمة عنها بالتعاون مع سلطة تنظيم قطاع الاتصالات في الدولة.

وفي ختام جلستَي النقاش قام الحضور بطرح عدد من الأسئلة، من أبرزها سؤال وجَّهه نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي الفريق ضاحي خلفان تميم، حول قدرة تنظيم "داعش" على إقناع المنتسبين إليه بأفكاره، وكيف نجح في غرس هذه الوحشية في عقولهم خلال فترة بسيطة؟، وأجاب المحاضرون بأن أحد أسباب جاذبيته هو البراعة الكبيرة وقدرته على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وإيمانه بأنه يملك رسالة وينقلها بصفتها الوجه الشرعيَّ للإسلام، بحسب زعم التنظيم، كما أنه يوظِّف أسلوبه الترهيبي لجذب المزيد من المقاتلين.

كما تساءل اللواء عبدالله الهاشمي، من وزارة الدفاع، عن مدى الجدية في التعامل مع قضايا الإرهاب، والسبب وراء التباطؤ في توفير الحلول الناجعة لهذه الظاهرة، وأجابه المحاضرون بأن المشكلة تتمثل في اختلاف المنظور الذي يتم تناولها من خلاله، فكل طرف في المنطقة ينظر إلى المشكلة من منظور متباين، ولذا يجب أن نفهم المشكلات والأسباب الداخلية، وإلا سنضطر لخوض الحرب إلى الأبد.