الإثنين 26 سبتمبر 2016 / 19:05

رصاص آثم في قصر العدل

زوايا الفكر الظلامي لا تزال قائمة في بعض جوامعنا وبعض مدارسنا والكثير من بيوتنا التي يجتاحها الفكر التكفيري تحت شعار الدين والتدين

أثارت جريمة اغتيال الكاتب الأردني الجدلي ناهض حتر مخاوف الكثيرين من الأردنيين وعرب الجوار من أن تكون هذه الجريمة تدشيناً لموجة من الاغتيالات والعمليات الإرهابية التي تؤسس لحالة من الفوضى في البلاد التي نجت، بحكمة قيادتها وقدرات أجهزتها الأمنية، من الإرهاب الذي اجتاح معظم دول المنطقة في زمن الفوضى "الخلاقة" التي يسميها الموهومون ربيعاً عربياً.

قد تكون هذه المخاوف مبالغاً فيها وناتجة عن إحساس بالفجيعة أصابنا جميعاً بعد سقوط ناهض برصاص الغدر على سلم قصر العدل. لكنها تظل مخاوف مبررة ومدفوعة بالخشية على حاضر ومستقبل بلد يمثل الآن واحة للأمن وسط صحراء عربية معتمة بالإرهاب الظلامي الذي يجتاح الجوار الشرقي والشمالي للمملكة في العراق وسوريا، ويضرب في عمق دول بعيدة جغرافياً وقريبة قومياً من الأردن كاليمن وليبيا، وينشط كالرمال المتحركة في سيناء.

لا نعرف حتى اللحظة إن كانت جريمة اغتيال الكاتب حتر عملاً إرهابياً فردياً أم أن المجرم مرتبط بتنظيم إرهابي ومكلف بتنفيذ الجريمة، لكن دوافع الجريمة واضحة ولا تحتاج إلى عبقرية في الاستنتاج أو جهد بحثي طويل من قبل أجهزة الأمن المعنية، فقد اعترف المجرم بأنه استهدف الكاتب على خلفية قناعات عقائدية لا تختلف إطلاقاً عن أطروحات القاعدة وداعش، ومن يتأثر بهما أو يؤثر فيهما، سواء في الحواضن الاجتماعية للإرهاب الظلامي أو في الأطر والمؤسسات التي خرج هذا الإرهاب من تحت عباءتها باسم الدين وتحت يافطة التقوى.

في كل الأحوال ينبغي انتظار كشف التفاصيل وعدم استباق نتائج التحقيق، خاصة وأن القضية الآن في أيدي جهاز أمني مشهود له بالكفاءة والقدرة، لكن ما ينبغي التركيز عليه في هذه اللحظة الموجعة، هو دوافع الجريمة وتوقيتها ورؤية الدولة والمجتمع لكيفية مواجهة الإرهاب الظلامي، ليس من باب الإجراءات الأمنية الوقائية فقط، بل في سياق التحصين المجتمعي الذي يثبت الآن أنه لا يتحقق بالدعوات الصالحة، ولا بحملات التوعية والحث على الوسطية، ولا بالمؤتمرات والندوات التي تقيمها مؤسسات مختصة بترويج التسامح والتعايش بين الأديان والطوائف.

لقد فعل الأردن كل ذلك، وكان سباقاً في تبني الوسطية والتقريب بين الأديان والمذاهب، وبذلت الدولة جهداً كبيراً على امتداد سنين طويلة في ترويج ثقافة التسامح، لكن كل هذا الجهد لم يؤت ثماراً، ونحن نرى تجريماً مجتمعياً لمن يجاهر بحرصه على الدولة في سوريا والعراق، بينما يتم تكريم من يصطفون في نفس الخندق السياسي مع القاعدة وداعش في الدولتين.

ورغم ما أصاب الأردن في السنوات السابقة من آثام الإرهاب وجرائمه التي حصدت أرواح الأبرياء في الأعراس، ورغم بشاعة ما أصابنا في جريمة قتل الطيار الشهيد معاذ الكساسبة، فإن زوايا الفكر الظلامي لا تزال قائمة في بعض جوامعنا وبعض مدارسنا والكثير من بيوتنا التي يجتاحها الفكر التكفيري تحت شعار الدين والتدين.

وبعد كل ما أصاب المنطقة من آثام شيوخ الربيع، فإن هؤلاء ما زالوا بين ظهرانينا، وهم لا يكتفون بالنشاط المغلق للجماعة بل ينشطون في كل مناحي حياتنا ويصلون إلى البرلمان تحت شعار الديمقراطية التي لا يؤمنون بها وحرية التعبير التي يحجبونها باعتبارها من المحرمات.

المطلوب الآن هو إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والأطر المحلية لهذا التكوين العابر للحدود، والذي ينتج أبا مصعب الزرقاوي وخطاب الأردني وعمر زيدان ومن قبلهم عبد الله عزام، والمطلوب أيضاً إعادة الاعتبار للقوى الليبرالية واليسارية التي عانت خلال عقود طويلة من الملاحقة والتضييق رغم أنها خط دفاع متقدم عن الدولة والمجتمع في مواجهة قوى التخلف والظلام.

نثق في قدرة الدولة على اجتراح الحلول، ونأمل في يقظة سياسية تحول دون تكرار إحساسنا بالفجيعة.