الثلاثاء 27 سبتمبر 2016 / 18:47

أقصى درجات العسكرة في سوريا بداية الحل السياسي

دوافع النظام السوري معروفة، أما دوافع تبادل الأدوار لعرقلة الحل في سوريا من قبل أمريكا وروسيا فتتعدد في شأنها التكهنات، بين الاقتصادي والعسكري والاستراتيجي

يمكن اليوم استعادة فكرة الإصلاحات التي روج لها النظام السوري في عام 2011، رداً على الثورة التي بدأت احتجاجات سلمية. وقتها، كان أي إصلاح حقيقي من قبل النظام يعني الانتحار.

الآن، أي توافق بين روسيا وأمريكا يلتزم بحد أدنى إنساني يحمي المدنيين السوريين سيعني انهيار فزاعة "محاربة الإرهاب" التي ترفعها الدولتان.

دوافع النظام السوري معروفة، أما دوافع تبادل الأدوار لعرقلة الحل في سوريا من قبل أمريكا وروسيا فتتعدد في شأنها التكهنات، بين الاقتصادي والعسكري والاستراتيجي.

بداية، لا مكان للسياسية الآن في سوريا. ولذلك تجد روسيا أن استمرار الحرب، واستمرار دعمها للنظام وحلفائه، ودفع العسكرة إلى أقصى مداها قد تضغط على أمريكا وحلفائها للاستسلام لحل روسي. بالطبع، لا يتوقع أحد أن يصل مدى الصراع إلى عتبة حرب عالمية ثالثة، شأن ما توقعه استراتيجيون من روسيا.

في غرف الكلام، تؤكد دعوات الحمائم من المهتمين بالحرب على سوريا أن الحل في سوريا سياسي فقط، وأن لا حل عسكرياً ممكناً في القريب العاجل، على الرغم من الوقائع التي تشير إلى الحل العسكري كطريق إجبارية لإحلال السلام، ولو طالت الحرب.

الحل العسكري لا يعني بالضرورة رفع أحد الطرفين الراية البيضاء، في الحرب على حلب، خاصة أن مجريات السياسة كانت تتحدث عن هدنة افتراضية في طور التثبيت، وعن اجتماع "أصدقاء سوريا" في لندن، ومن ثم حضور المعارضة السورية على هامش اجتماعات الدورة 71 للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. لكن مخرجات تلك السياسة كانت حرباً أشد هولاً من مقدمات حرب.

على العكس من المقدمات، طفا الخلاف الأمريكي المكبوت على السطح، وبدا أن روسيا ذهبت في التصعيد وإلى تحدي أمريكا في سوريا.

 ظهر ذلك بوضوح في انسجام خطاب روسيا والنظام، وتناغم الأدوار في الكلام والفعل بين نيويورك، وحلب، وأن إيقاع كلمات لافروف، والجعفري، ووليد المعلم، في نيويورك، كان منسجماً مع إيقاع الغارات الجوية على حلب بين دوي الانفجارات وصرخات الجرحى وصمت القتلى.

وباستعادة كلام سيرغي لافروف، يمكن الإشارة إلى فهم جديد للقانون الدولي قدمه الوزير الروسي، بتلويحه بشرعية "بشار الأسد" في جلسات ما فوق الطاولة، على منبر الأمم المتحدة التي يُفترض أنها تمثل الأسرة الدولية.

أكثر من ذلك، كان كلام لافروف أشد وقاحة حتى من كلام بشار الجعفري والمعلم، في توزيع أدوار بين الطرفين، فكلام لافروف كان موجهاً إلى أمريكا دون غيرها، أمريكا التي لم تبدِ أكثر من رد فعل اتهامي ضد روسيا في الأمم المتحدة، بينما صحا بان كي مون أخيراً من قلقه بعد أن شارفت مدة صلاحياته على الانتهاء، شأنه شأن أوباما.

النظام السوري وروسيا لا يحلمان الآن بنصر حاسم في حلب. وأكثر ما هنالك أنهما سيكسبان بعض الوقت حتى يأتي أمين عام تاسع للأمم المتحدة، بعد أن تنتهي ولاية بان كي مون في نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وحتى يسلم أوباما مفاتيح الحكم للرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

بالطبع، يبدو الموقف الأمريكي المتخاذل غريباً، وصعب التصديق، فكيف لا تستطيع أمريكا، وهي القوة العظمى الوحيدة في العالم، أن تضغط على روسيا سوى بعقوبات اقتصادية لم تؤثر في موقف فلاديمير بوتين من أوكرانيا، وسوريا، وكيف تتجرأ طائرات روسيا على التحليق قرب المجال الجوي البريطاني ولا تجد عقاباً من حلف الناتو الممثلة فيه بريطانيا كدولة مؤسسة، وكيف تضحي أمريكا باحتمال أن يتعرض حلفاؤها في الخليج لتهديد روسي إذا استقرت روسيا في سوريا؟

ليس سراً أن سوريا ليست دولة نفطية حتى الآن، وليس سراً علاقة العشق بين الدولار الأمريكي والنفط، وليس سراً أن دولة إسرائيل تقع في جوار سوريا، على الرغم من الإشاعة القديمة التي كانت تؤكد أن سوريا والأردن ومصر ولبنان تشكل "دول طوق" حول إسرائيل.

السر، وهو القديم الجديد أن العلاقات الروسية- الإسرائيلية في أحسن أحوالها. والأكثر جدة أن كلمة روسيا في سوريا هي المسموعة، في السياسة والحرب والاقتصاد.

هذا جعل أمريكا مطمئنة على أمن إسرائيل، بعد أن ضمن ذلك الأسد منذ خمس سنوات، بل منذ 43 سنة هو وأبوه، والآن تضمنه روسيا.
إذاً، فالدولتان المتدخلتان متفقتان على هذا على الأقل. عدا عن مصلحة مشتركة عابرة للسياسة بين مجمعي صناعة السلاح في الدولتين.

على ذلك، لابد أن روسيا ستفرض آجلاً حلاً بين النظام وإسرائيل يُنهي حالة اللاسلم واللاحرب بينهما، إن استقر الأمر للنظام وروسيا في سوريا.

في النتيجة، سوريا المعسكرة بكل أنواع السلاح ومصادره مصلحة أمريكية روسية على الرغم من الكلام السياسي الذي يوحي بتناقض خفي.