الأربعاء 28 سبتمبر 2016 / 15:57

الكرملين يسعى إلى إحياء الامبراطورية الروسية

24 - ميسون جحا

قال الجنرال كورتيس سكاباروتي، القائد العام الأعلى للناتو في أوروبا إن "روسيا عائدة ثانية"، بما يعني أن روسيا تستعد لأن تصبح من جديد قوة عالمية بارزة.

بدأت روسيا في استخدام ما بدا أنه مزيج غير ضار من وسائل القوة الناعمة، بما فيها أدوات ثقافية واقتصادية ولغوية لدعم حقوق الناطقين بالروسية

ويوافق على تلك التوقعات لوكاس تراكيمافيتش، محلل طاقة وأمن، مقيم في لندن، معتبراً أنه بفضل ميزانية كبيرة خاصة بالتسلح، وبسبب تكرار إجراء تدريبات عسكرية مثيرة للقلق، بالقرب من حدود الناتو، فقد تأكد بالفعل أن روسيا عادت مرة أخرى كرائدة في لعبة السياسات الدولية، بعد انقطاع دام ربع قرن

تأثيرات
ويرى تراكيمافيتش في مقال نشر في موقع الأتلانتيك كاونسيل أن تبعات تلك التطورات واضحة، فالخطر الذي تمثله روسيا لن يتلاشى، وعلى راسمي السياسات الدولية التعايش معه، أو الأفضل فهم عقلية هذه القوة العظمى الوليدة.

وبعد ضم إقليم القرم، وبداية الحرب في دونباس في أبريل 2014 (نيسان)، صدرت عدة كتب حول السياسة الخارجية الروسية، في ما تسميه موسكو" البلدان المجاورة".

ولكن رغم مزايا تلك الكتب، لم يركز أي منها بما يكفي على تعامل روسيا مع ما يسمى مواطنيها، الروس الإتنيين، والناطقين بالروسية، والموالين ثقافياً لها.

وعن هذه المسألة، يبرز كتاب جديد صدر بعنوان: "ما وراء القرم: ظهور الامبراطورية الروسية الجديدة"، لمؤلفته أغنيا غيرغاس، صورة عميقة يحتاج إليها العالم لمعرفة الوسائل التي يستخدمها الكرملين في التعامل مع قرابة 35 مليون من مواطنيه الموزعين عبر أراضي الاتحاد السوفييتي القديم، وذلك خدمة لأهدافه الجيوسياسية.

عودة الامبراطورية
ويكتب تراكيمافيتش بأن بوتين يوظف أدوات ثقافية واقتصادية ولغوية لتشكيل أفكار ورؤى "مواطنيه". وفي نفس الوقت، يتبع الكرملين سياسات تهدف لدعم حقوق الناطقين بالروسية. وعلى رغم احتمال أن ينظر إلى تلك السياسات بوصفها بريئة، تتسارع أشياء لتتخذ مساراً مختلفاً، وخاصة لأن تلك السياسات تترافق عادة مع حملة بروباغندا مكثفة، تولد شعوراً "بالحاجة الماسة لحماية أولئك الأشخاص الروس".

قوة ناعمة
ويضيف الكاتب: "بدأت روسيا في استخدام ما بدا أنه مزيج غير ضار من وسائل القوة الناعمة، بما فيها أدوات ثقافية واقتصادية ولغوية لدعم حقوق الناطقين بالروسية".

وجاءت الخطوة الأخيرة عبر "اتخاذ مسار امبريالي، بضم القرم، أو إنشاء إقليم غير مستقر تحت حماية روسية".

ومن أجل إثبات هذا الادعاء الجريء، قدمت غريغاس عبر كتابها مراجعة شاملة للسياسة الخارجية الروسية حيال 13 دولة، كان أكثرها جزءاً من الاتحاد السوفيتي القديم.

تحليل مفصل
وفي فصل من كتابها، تقدم المؤلفة عرضاً لتدخل روسيا العدائي في شؤون مولدوفا وأوكرانيا وجورجيا، مما أدى لنشوب عدة صراعات في ترانسنيستريا ودونباس والقوقاز.

وبنفس الطريقة، تأتي الكاتية بأدلة على تدخل موسكو في شؤون خمس جمهوريات تقع في وسط آسيا، مشيرة إلى محاولات موسكو ممارسة أدوات قوتها مما أدى لنتائج مختلفة في كل من تلك الدول.

إخفاق
ويلفت تراكيمافيتش إلى ما حقيقة، وردت أيضاً في الكتاب المذكور، حول إخفاق روسيا في تطبيق سياساتها في كازاخاستان وتركمانستان وأوزبكستان، فيما كانت تلك السياسات شديدة الفعالية والتأثير في دول فقيرة وضعيفة مثل طاجيكستان وقيرقيزستان.

ثم تستعرض غريغاس الأوضاع في أرمينيا وبيلاروسيا والتي تظهر كيف لعبت السياسة الخارجية الروسية دوراً مهيمناً في صياغة السياسات المحلية لأقرب حليفين لموسكو.

فرصة نادرة
وإلى تقديمها تحليلاً مفصلاً عن الأدوات العسكرية والاقتصادية والثقافية التي يستخدمها الكرملين لتعزيز نفوذه، تقطع غريغاس خطوة أخرى لتضمن كتابها آراء أشخاص ممن يمكن تصنيفهم في خانة "مواطنين روس".

وتسنح للقارئ فرصة نادرة ليطلع على مختلف الأصوات التي تعبر عن آراء أشد المؤيدين وصولاً إلى أشد المنتقدين لبوتين وسياساته.

خيط تواصل
وفي النهاية، تستنتج غريغاس إلى وجود خيط تواصل تاريخي حقيقي بين سياسات بوتين التوسعية، وتلك الخاصة بأسلافه مثل الامبراطورة كاثرين. وهذا بدوره، يوحي بأن الكرملين ربما يتأهب لإحياء الامبراطورية الروسية القديمة، إن لم يكن من خلال ضم مباشر لبعض المناطق، بل عبر إنشاء منطقة نفوذ روسي قوي.