الخميس 29 سبتمبر 2016 / 09:32

شمعون بيريس.. الرجل الثاني وبائع الأحلام

خيرالله خيرالله ـ الراي الكويتية

نظرياً، كان شمعون بيريس، الذي كان رئيسا لإسرائيل ورئيسا للوزراء و وزيرا للدفاع، إضافة الى شغله مواقع أخرى منذ اعلان دولة إسرائيل في العام 1948 مؤيدا للسلام. وثمّة من يقول انّه عمل من اجله. عمليا، كان بيريس صاحب كلام جميل عن السلام مع الفلسطينيين والتعاون الاقليمي يصبّ في التغطية على الاحتلال وتغليفه بثوب لائق. كان مجرّد بائع أحلام ورجل علاقات عامة يسوّق الاحتلال في العواصم الغربية.
توفي بيريس الذي بنى مجده على انّه كان مديرا لمكتب ديفيد بن غوريون، اوّل رئيس للوزراء في إسرائيل، عن 93 عاماً امضى معظمها في واجهة الاحداث في الشرق الاوسط. على الرغم من ذلك كلّه، لم يستطع في يوم من الايّام الإقدام على خطوة حقيقية في اتجاه السلام. هل كانت تنقصه الجرأة على ذلك، ام كان في حقيقة الامر رجلا مترددا، وثمة من يقول مراوغا، لا اكثر؟

بقي بيريس في كلّ وقت عاجزا عن اتخاذ قرارات كبيرة وحاسمة. على سبيل المثال وليس الحصر، أجل الانتخابات العامة في إسرائيل ستة اشهر بعد اغتيال رابين. لم يدرك انّ هذا التأجيل سيصبّ في مصلحة نتنياهو المتحالف ضمنا مع قوى "الممانعة" في المنطقة العربية وما هو ابعد من المنطقة العربية، أي مع ايران. عملت إيران وقتذاك مستخدمة ادواتها كلّها، خصوصا العمليات الانتحارية لـ "حماس" من اجل نسف عملية السلام التي انطلقت من أوسلو. صحيح ان بيريس لعب دورا في التوصل الى اتفاق أوسلو، في العام 1993، اذ كان وزيرا للخارجية في حكومة رابين، لكنّ الصحيح أيضا انه لم يعرف يوما كيف يساعد في حمايته عن طريق تشكيل جبهة عريضة تدعم عملية السلام... والإسراع في تحقيق إنجازات على الأرض.

انتهى اتفاق أوسلو مع اغتيال رابين. بدل ان يجري بيريس انتخابات عامة مباشرة بعد مقتل رئيس الوزراء، اخذ كلّ وقته بعدما اطمأن الى انه سيخلف رابين في رئاسة الحكومة. لم يستوعب أنّ "الممانعة" ستبذل كلّ جهدها من اجل تأليب المجتمع الإسرائيلي على عملية أوسلو التي اعترض عليها منذ البداية شخص مثل نتنياهو كان يعدّ نفسه لخلافة رابين. راح يتفرّج مكتوفا على تأثير العمليات الانتحارية على المجتمع الإسرائيلي الذي صار مناهضا كلّيا للسلام من دون ان يستطيع ان يفعل شيئا يذكر.

تبيّن مع مرور الوقت ان بيريس لا يصلح لان يكون قائدا او زعيما وذلك منذ بداية حياته السياسية. كان جيدا في موقع الرجل الثاني... لكنّه فشل في كلّ مرة كان فيها صاحب القرار. نجح في بناء البرنامج النووي الإسرائيلي في عهد بن غوريون وفي الحصول على الاسلحة المطلوبة من فرنسا في مرحلة ما قبل حرب 1967. كان منفذا جيدا، لكنّه لم يكن يوما سوى ذئب في ثوب حمل يتظاهر فقط في أنّه يعمل من أجل السلام. كان يعمل من أجل السلام بالكلام فقط. امّا افعاله كلّها فكانت تصبّ في مصلحة تكريس الاحتلال للقدس وللجزء الأكبر من الضفّة الغربية وذلك تحت شعارات جميلة.

لم يكن الذين تعاطوا مع بيريس يثقون به. الملك حسين كان يعتبره مراوغا. كان يضحك على ياسرعرفات وكان عرفات يضحك عليه. كان مرتاحا في كلّ وقت للنظام السوري الذي انشأه حافظ الأسد والذي يؤمن مثله بضرورة بقاء المنطقة في حال لا حرب ولا سلام. مثل هذه الحال تؤمن لإسرائيل، الى يومنا هذا، تكريس امر واقع على الأرض في القدس والضفة والجولان وتضمن للنظام السوري البقاء متحكما بمصير السوريين، حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بالميليشيات الايرانية ووحشية فلاديمير بوتين.لم يكن بيريس رجل سلام في ايّ وقت على الرغم من نيله "جائزة نوبل للسلام" في 1994.

كان يؤمن بمصلحة إسرائيل التي يجدها في استمرار الاحتلال. قال في غير مؤتمر دولي إن الضفّة الغربية "أرض متنازع عليها". كان الوجه الآخر لنتانياهو، مع فارق واحد يتمثّل في أنّه لم يستطع يوماً ممارسة اللعبة السياسية في الداخل الإسرائيلي وينجح فيها. كان يصلح في كلّ وقت لموقع الرجل الثاني لا أكثر ولا أقلّ. برع في هذا الموقع دائماً، منذ أيّام بن غوريون، وفشل في كلّ مرّة أن يكون في الموقع الأوّل.