الخميس 29 سبتمبر 2016 / 18:27

العرب بين الحمار الديمقراطي.. والفيل الجمهوري!

التجربة، كانت قد أثبتت لنا في كل مرة، أن «أحمد» زي «الحاج أحمد» و«أوباما» لا يختلف عن «بوش» و«باراك» هو طبعة أخرى من «نتانياهو» وأن شيئاً لن يحدث غير الذي عهدناه

لا أتذكر متى بدأت متابعة وقائع وتفاصيل حملات انتخابات الرئاسة الأمريكية، لتصبح أحد أهم ما أتابعه من المسائل السياسية، ولكن ذلك حدث في الغالب مع بداية التقاط البث التليفزيونى الفضائي، الذى أتاح لنا - نحن العرب - أن نشاهد هذه الوقائع لحظة بلحظة، وبالتفصيل الممل، بعد أن كنا نكتفي بقراءة موجز لما تنقله عنها الصحف ووكالات الأنباء.

وفضلاً عن أن هذه الوقائع كانت تشبع جوعنا للديمقراطية التي كانت - ولا تزال - من الأحلام العربية المقيدة في جدول أعمال التاريخ - فقد كنا من فرط الإجهاد - قد بدأنا نسلم - بعد ممانعة طويلة بالحقيقة التى تقول إن 99٪ من أوراق اللعبة السياسية فى المنطقة وفي العالم، في يد أمريكا، وإن نتيجة الانتخابات الأمريكية - سوف تؤثر بالقطع - فى مسار قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو ما قادنا - بعد ذلك - إلى متابعة وقائع الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، على أمل أن تسفر هذه النتائج عن حل لهذه القضية، وأن تقود إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، أو إلى مقر رئاسة الحكومة في القدس المحتلة، رجل طيب وابن حلال ينقذنا من الانتظار الممل، والمفاوضات التى لا تقود إلا إلى جولات أخرى من التفاوض، لا تسفر - في النهاية - عن حل للمشكلة التى استنفدت أعمارنا.

ومع أن التجربة، كانت قد أثبتت لنا في كل مرة، أن «أحمد» زي «الحاج أحمد» و«أوباما» لا يختلف عن «بوش» و«باراك» هو طبعة أخرى من «نتانياهو» وأن شيئاً لن يحدث غير الذي عهدناه وجربناه، فقد ظلت غواية متابعة وقائع الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية فى أمريكا وإسرائيل، تتملكنا، ربما لأنه لم يعد في أيدينا من أوراق اللعبة، سوى إشعال الحروب الأهلية فيما بيننا.. وكانت هذه الغواية هي التي قادتنى ليلة الثلاثاء الماضي، إلى السهر حتى الفجر، لكي أتابع البث الحي لأولى المناظرات التليفزيونية، بين المرشحين الرئيسيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية «هيلاري كلينتون» و«دونالد ترامب».

وعلى امتداد ساعة ونصف الساعة استغرقتها المناظرة، أخذت أتابع وقائعها، محاولاً أن أبحث عن حائط أمريكى أستند إليه لعله يكون هو الرئيس الطيب ابن الحلال الذى ننتظره منذ عقود، لكي يخلصنا من مشاكلنا، ويعيد لنا حقوقنا، ويوقف الحروب الأهلية فيما بيننا، ويستخدم أوراق اللعب، التي أصبحت كلها بين يديه، لصالحنا.

ومع أن المناظرة - بالنسبة لي - كانت قد انتهت قبل أن تبدأ، بعد أن تبارى طرفاها - قبل ساعات من بدئها - في الإدلاء بتصريحات يؤكد فيها كل منهما، أنه سوف يلتزم بأمن إسرائيل، مما أكد لي أنه لا جديد تحت الشمس، وأن الأمل فى أن يدخل البيت الأبيض ويجلس خلف المكتب البيضاوي، رئيس أمريكي - سواء كان أبيض اللون أو كان إفريقي الأصل - يقف موقفاً محايداً ومنصفاً، بين الحقوق العربية وما تدعي إسرائيل أنه حقوقها التاريخية فى فلسطين، لا يختلف عن عشم إبليس فى دخول الجنة، إلا أنني واصلت متابعة وقائعها، على أمل أن يقول أحدهما شيئاً مختلفا عما قالاه منذ بداية الحملة الانتخابية، وما قاله أسلافهما، ممن خاضوا هذه الانتخابات تحت لوغو «الحمار» وهو شعار الحزب الديمقراطي، أو لوغو «الفيل» وهو شعار الحزب الجمهوري.

وكما هي العادة في كل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فقد ركز كل منهما على السياسة الداخلية، بحكم أنهما يخاطبان ناخباً لا تهتم أكثريته بالشؤون الدولية، ولم يلفت نظري فى هذ الملف، إلا أن الانحياز الاجتماعي لكل منهما، بدا واضحاً يخلو من أي التباس، فقد ركزت «كلينتون» على ما يهم الطبقات الوسطى، ووعدت برفع الضرائب على الشرائح العليا من المجتمع، بينما ركز «ترامب» على تنشيط الاستثمار، وحماية مصالح رجال الأعمال، بما يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي بنسبة 4٪ وبذلك تتحول أمريكا - كما قال - إلى دولة عظيمة.

وفى إشارة موجهة إلى بعض دول الشرق الأوسط، وإلى غيرها قال «ترامب» إن أمريكا تنفق مليارات الدولارات، لحماية أمن واستقرار دول أخرى، بما يشكل عبئاً على الميزانية الأمريكية، وإن الأوان قد آن لكي تتحمل هذه الدول جانباً من النفقات التى تتحملها أمريكا.

وكان طبيعياً أن تقود المناظرة حول الشؤون الداخلية، الطرفين إلى تناول السياسة الخارجية، وهو المجال الذى استغله «ترامب» لتوجيه انتقادات حادة إلى أخطاء وخطايا سياسات الديمقراطيين الدولية، سواء اتبعتها إدارة «أوباما» أو وقعت فيها «كلينتون» نفسها خلال الفترة التي تولت فيها وزارة الخارجية، خاصة ما يتعلق منها بسياستها تجاه العراق أو ليبيا، أو المصالحة مع إيران، التي توقع «ترامب» أنها سوف تمكن طهران من امتلاك السلاح النووي خلال عشر سنوات.

وإذا كان من السابق لأوانه الآن التنبؤ بما إذا كان الحمار الديمقراطي هو الذى سيدخل إلى البيت الأبيض، أو كان الفيل الجمهوري هو الذي سيجلس خلف المكتب البيضاوي، فليس من السابق لأوانه أن ننتظر نحن العرب، في قلق هذه النتيجة، وأن نختلف فيما بيننا حول أيهما أصلح لحل مشاكلنا المقيدة فى جدول أعمال التاريخ، والتي سلمنا بأن 99٪ من أوراقها في يد المجالس في البيت الأبيض: هل هو الحمار الديمقراطي الذي تدعو مرشحته «هيلاري كلينتون» علناً، إلى أن هذا الحل يكمن في إدماج الجماعات الدينية المتطرفة فى العملية السياسية في بلاد ما يعرف بالربيع العربي، لكي تسلم ما تبقى من البضاعة الفلسطينية إلى إسرائيل، أم هو الفيل الجمهوري العنصري، الذى وعد مرشحه «ترامب» بأن يقيد كل هذه الجماعات فى قائمة الإرهابيين، وأن يقيدنا جميعاً أعضاء بها؟

وهذا - كما قال «هاملت» فى مسرحية شكسبير الشهيرة - هو السؤال الذى لا إجابة له.