سائق التوكتوك كما ظهر في إحدى الفضائيات(أرشيف)
سائق التوكتوك كما ظهر في إحدى الفضائيات(أرشيف)
الخميس 20 أكتوبر 2016 / 08:16

أحلام "الفتى توكتوك"

حسن أبو طالب ـ الوطن

أنا شاب مصري أصيل، معروف بشهرتي "الفتى توكتوك"، عندي مركبة صغيرة غالباً مستوردة من الهند أو ربما مجهزة في ورشة لا يعرف عنها أحد شيئاً، وهي غير مرخصة وبدون أرقام مرور، وأكسب ما بين 200 إلى 300 جنيه يومياً حسب الأحوال، أنقل الناس من مكان لمكان، أسمع حكاياتهم وشكاواهم، وأعرف بعض أسرارهم التي يتحدثون عنها بصوت عال وبدون حذر، أحلم أن أكون مشهوراً مثل محمد رمضان أو ميسي، ويكون لديّ فصاحة الفلاح الفصيح أمام الفرعون الجبار، وذكاء ابن البلد الفطري، وثقافة الحاصل على نوبل، وعلم الدكتور زويل، وحكمة سقراط، وجدلية ماركس، واندفاع لينين وشجاعة ماو، وزهو بوتين وغطرسة أردوغان، ودهاء الثعلب ومكر ابن آوى وكبرياء الأسد، وهي كلها أحلام بسيطة ولكن الزمن مُعاند.

وأهم أحلامي أن يرزقني الله تعالى بصدفة خير من ألف ميعاد لأظهر على شاشات التلفزيون ألخص أوجاع البلد التي لا يعرفها المُحللون الكبار، ولا يعترف بها أي وزير أو مسؤول كبير، وأصبح بين عشية وضحاها مشهوراً والكل يتابع كلماتي وتغريداتي التي يتناقلها الناس على لساني، فأنا حتى الآن لا أعرف الكتابة أو القراءة كالذين دخلوا الجامعة ويكتبون أسماءهم بصعوبة بالغة، وليس لدىَّ ما يصفونه بالتغريدة وليس لي حساب على "السوشيال ميديا" التي لا أعرف ما هي بالضبط، لكن الأحباء والمعارف يقولون أحياناً على لساني حكماً وأمثالاً تعلمتها من الحياة، فكل علمي الغزير هو من الحياة التي جعلتنى حكيماً دون أن أدري وجعلتني معروفاً بين جيراني وأقراني.

وكثيراً ما أدعو الله تعالى أن يجلب لي شهرة جارفة بعد صدفة خير من ألف ميعاد، وأن يرن هاتفي المحمول النوكيا القديم وأسمع صوت مسؤول كبير جداً اهتز بكلماتي ويفتح معي حواراً ويزيدني برؤية الحكومة، ويشرح لي بعض الذي لا أعرفه ولا أفهمه مثل تعويم الجنيه مثلاً، فهل نضعه في إناء مملوء بالماء وكفى، ثم نشرب هذا الماء، أم نضعه فى حمام سباحة، أم نرميه في البحر، وهل يكون البحر الأحمر أم البحر المتوسط، وأن يجيب لي عن سؤال مهم خطر على بالي هل الجنيه بيعرف العوم أم هناك منقذ بعوامة ينتظر على الشاطئ؟

ويأخذني الحلم بعيداً، وأسمع صوت المسؤول الكبير قائلاً لي: إن كلماتك قد هزت وجدان الأمة التي لم تكن تعرف حالها إلا بعد أن استمعت إلى كلماتي العفوية التي قلتها دون سابق تحضير أو تجهيز أو توجيه من أي كائن حقيقي أو افتراضي أو فضائي، فجاءت كالسهم الخارق للفولاذ، فأقامت الدنيا ولم تقعدها بعد، فالكل ينتظر مني الكثير حتى يعرف الأحوال التى يعيشها ولا يفهمها ولا يدرك أسبابها، فأصبح حائراً إلى أن جئت إليهم بالخبر اليقين والتحليل الرصين الذي أذهل العامة وأعجب الخاصة، وجعل عقول المسؤولين فى حالة دوار بعد سكون طويل.

ويأخذني الحلم بعيداً، إذ يفد الصحافيون والمصورون جماعات وفرادى إلى منزلي ليحصلوا على آرائي السديدة، وليروا بأم أعينهم، وليُشهدوا الدنيا كلها، أنني الفتى "توكتوك" بسيط الحال أعيش في شقة في عمارة من خمسة أدوار فقط، تُطل على شارع عريض لا يقل عن 16 متراً، في أحد أحياء الطبقة الوسطى في العاصمة، وأن لديّ فقط جهاز تكييف واحداً من نوع شباك اشتريته بالتقسيط صناعة مصرية وليست أجنبية، وثلاث حجرات ومطبخاً ميسور الحال، وأنتريه وترابيزة وعدداً من الكراسي يذاكر عليها الأولاد، وهم 3 فقط والحمد لله، ومعهم أولاد الجيران والمدرس الخصوصي في اللغة العربية والحساب والتاريخ والجغرافيا وحتى الرسم أيضاً، وفى الصالة أربع لوحات فنية من سوق الكانتو، والأكيد أننى سوف أحيي هؤلاء الصحافيين والمصورين وأقدم لهم الشاي بالسكر حسب طلبهم أو القهوة التى يحبونها كما في مكاتبهم، أما السكر وحتى لا يتعجب أحد، الذى اشتكيت من نقصانه في إحدى مداخلاتي العفوية الشهيرة فجاء إلىّ كهدية من الأصدقاء والأهل والتُجار المعرفة فس الحى بعد أن أصبحت مشهوراً أنقل للمسئولين همومهم وطلباتهم، التي تجد استجابة سريعة جداً من المسئولين الكبار الذين أسرعوا بصداقتى وإرضائي حتى لا أقول كلاماً صعباً عليهم ينغص حياتهم ويكشف المستور لديهم.

وكثيراً ما أحلم بحب المصريين جميعاً، وتشغلني فكرة كيف أرد إليهم الجميل، الذين قرروا البقاء فيها أو الذين تشغلهم الهجرة عبر مراكب الموت إياها، وأدعوهم أن يفعلوا مثلي؛ لا يتعلموا ولا يذاكروا ولا يقرأوا ولا يتعبوا أنفسهم في عمل حكومي أو قطاع خاص، وكل ما عليهم هو أن يشحنوا أنفسهم بكراهية البلد واللي فيها ويقنعوا أنفسهم أن البلد ذاهب إلى ظلام، ويقولوا لأنفسهم صباح مساء ماذا أعطانا البلد حتى نحبه أو نعيش فيه، وأن المسئولين فيه والمؤسسات لا يفهمون أي شىء وهم سبب كل الكوارث النازلة فوق رؤوسنا، والأفضل لهم أن يختفوا تماماً من حياتنا ويتركونا نفعل ما نريد في أنفسنا وفي البلد الذي لم نعد نحبه.

وإلى أن تأتي فرصة الهروب أو الهجرة، فسوف أدعو أحبائي إلى أن يحصلوا بأية طريقة كانت على "توكتوك"، ويكسبوا رزقاً صافياً بلا ضرائب أو تراخيص، وأن يسيروا بين الحين والآخر بجوار مبنى التلفزيون أو الإذاعة، والأفضل أن يمروا كثيراً بجوار مدينة الإنتاج الإعلامي، فربما يلتقيهم مصور هُمام أو معد برنامج ابن بلد ويفتح لهم الميكروفون ويقولون ما في قلوبهم ويلعنون بلدهم، وبعدها ستأتي إليهم الشهرة حتماً، لكني سأحذرهم أن هذه الشهرة مُتعبة وتضع الواحد تحت الأضواء، وناس كثيرة ستريد أن تعرف أخبارهم وأخبار أولادهم وبيتهم، وهو أمر جميل فصورهم ستكون في كل مكان، والشباب على "فيس بوك" بارك الله فيهم سيقومون بالواجب.

وحتى لا يُفاجأوا، فأحياناً تأتي هذه الشهرة بعواكس، وكما في حالتي تركت شقتي المتواضعة وهربت إلى مكان مجهول، ولا يعرف أحد أين أكون، حتى أشقائي لا يعرفون أين أنا، فقط الذين رأوني في صدفة خير من ألف ميعاد أوصلوني إلى المكان الجديد وهم من يعرفون، وهم بارك الله فيهم أعدوا كل شيء، وتركوا كثيراً من الطعام وشوية جنيهات، وشوية أوراق خضراء يُقال لها دولار لم أرها من قبل وكله ببركة القدر.