السبت 22 أكتوبر 2016 / 20:21

قلق في معسكر الاعتدال

تحدد معسكر الاعتدال في عالمنا العربي بمجمع دول وقوى متحالفة معها، شكلت استراتيجياً درعاً قوياً للأمة في زمن ربيع التحديات المحفوف بالخطر والمفاجآت.

معسكر الاعتدال يعني مصر والسعودية ومعها دول الخليج بالطبع والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ويخوض هذا المعسكر حروباً صعبة وعلى جبهات متعددة، ويقيم سياساته الثنائية والجماعية بقدر معقول من الانسجام بين قواه، ولقد بلغ هذا الانسجام حد التفكير جدياً إما بوحدة عسكرية استراتيجية، أو بتنسيق محكم بين الجيوش، يرقى في الطموح إلى مستوى تأسيس عضلة قوية لتحالف سياسي يحسب له حساب، غير أن قلقاً بدأ يتسرب إلى النفوس ويؤثر على الحسابات، نشأ مؤخراً على نحو نشر شكوكاً في قدرة دول وقوى الاعتدال على المضي قدماً نحو ترسيخ التحالف بينها، ودخول العالم الجديد قيد التبلور بقوة حقيقية يحسب حسابها إقليمياً وعالمياً، ويكون لها دور أكثر فاعلية في رسم خريطة المنطقة، إذا ما وضعت الحروب الداخلية أوزارها لتدور عجلة الاقتسام دورتها الحتمية.

وللقلق تصنيفات ومعطيات أولها ... القلق البديهي من رخاوة موقف وسياسة الدولة الكونية العظمى "الولايات المتحدة" التي أقامت دليلاً قاطعاً على أنها في أمر التحالفات والمصالح هي دولة عادية، ولا أغالي لو قلت دولة عالم ثالث فيها قدر من السذاجة، وقدر آخر من الانتهازية، وما تبقى فيه خذلان مباشر للحلفاء والأصدقاء، القلق من هذا يكاد يتلاشى بفعل التعود عليه، ووضعه في حسابات الدول والقوى المتوغلة في حروب ساخنة وباردة، وهنالك قلق راهن إن لم تعالج أسبابه على الفور فستكون له آثار بالغة السلبية على قوى الاعتدال وسياساتها وتحدياتها، غنه الاختلاف بين هذه القوى والذي تذكيه وتغذيه معالجات صحفية خلقت حتى الآن بلبلة في صفوف جماهير قوى الاعتدال، وقوبلت بارتياح في صفوف المعسكر المقابل، ورغم تواتر نفي هذه الخلافات والاختلافات والقول إنها لا تمس عصب المصالح الاستراتيجية بين أطراف المعسكر جميعاً، إلا أن ما يقال على هذا الصعيد لم ينجح في وضع حد للبلبلة وتنامي القلق.

ولعل السبب في ذلك هو المناخ السائد في منطقتنا المتأثر بطول أمد الحروب فيها وقدرة الأطراف الخارجية ليس فقط على التأثير بمجرياتها ومآلاتها، وإنما قدرة هذه الأطراف الخارجية على التلاعب بالقوى الإقليمية المشاركة مباشرة في الأحداث، ولكن من موقع ثانٍ وراء الموقع الأول الذي تحتله القوتان العظميان على الجبهات.

هنالك بديهية يجدر وضعها في الحساب وهي أن العلاقات الاستراتيجية هي في الواقع خلاصة لمجمل العلاقات التي تسمى بالفرعية أو التكتيكية، السياسة والاقتصادية، التفصيلية والرئيسية، وإن أي خلل على هذا الصعيد خصوصاً حين يتحول إلى انتقادات علنية تقترب من الحملات، فلن يكون هنالك مأمن للعلاقات الاستراتيجية بحيث يبدو تعسفاً على المنطق الفصل بين عناصر المعادلة، وفي تقديري أن الارتجال في المواقف وضعف تنسيق السياسات بين اطراف المعسكر المتجانس وعدم توثيق نقاط الاتفاق ومساحته وتحديد نطاق التباين وكيفية السيطرة عليها، لابد وأن يفضي إلى اضطراب في العلاقات خصوصاً أن السياسات جميعاً عرضة لمواجهة مفاجآت غير متوقعة وبالتأكيد غير مسيطر عليها.

ان الوضع الذي ما زالت دوافع القلق فيه في بداياتها يحتاج الى معالجة سريعة بما في ذلك الاتفاق على حدود ومساحات الاختلاف، وهذا أمر بالغ الضرورة لحماية العلاقة الاستراتيجية وترسيخ الالتزام بين الأطراف بها، ذلك أن موجبات هذه العلاقة على هذا المستوى ما تزال قائمة وملحة، فلا أحد من قوى الاعتدال في غنى عن العلاقة الراسخة مع الاخر جملة وتفصيلاً.