السبت 22 أكتوبر 2016 / 20:32

"قفص داعش"... طريقة غريبة للعقاب

ربما لم يسبق تنظيم "داعش" أحد من العالمين في الإجراءات العقابية القاسية والغريبة التي يقوم بها ضد مخالفيه في أسلوب العيش، أو من يتهمهم بإتيان المنكر، أو أولئك الذين يقبض عليهم من الذين يناصبونه العداء.

وطرق العقاب عند داعش، فضلا عن عدم عدالتها، ولا خضوعها للالتزام بالشريعة الإسلامية، كما يزعم قادة التنظيم وأفراده، فهي تُستعمل، في أحيان كثيرة، لأهداف لا علاقة لها بالضبط الاجتماعي، ولا ردع الخارجين عن شرائع التنظيم وتصوراته، إنما في إرسال رسائل الفزع والترهيب للآخرين، عبر العالم، بأن داعش تنظيم متوحش بشع لا يرحم، وأن الأفضل للجميع أن يتقي شره، وهو النمط الذي عول عليه المغول في حروبهم خلال القرون الوسطى.

ومن هذه الأساليب الهمجية ذبح الناس بالسكاكين والخناجر أو جز رقابهم بالسيوف، وإطلاق الرصاص من الخلف على مجموعات بعد أن تؤخذ أيديهم إلى قيود محكمة، أو حفر الحُفر العميقة وإلقاء الناس فيها أحياء، ثم إهالة التراب على أجسادهم، لردمهم تماما، أو إلقائهم من طوابق شاهدة، فيتردون صرعى. فعلى سبيل المثال، نفد التنظيم حكم الإعدام ضد شابين رميا من بناية شاهقة يوم 17/ 1/ 2015 في مدينة الموصل العراقية، بعد اتهامهما بالشذوذ الجنسي، وسط حشد من الجمهور.

أما الطريقة الأكثر ترويعا فهي وضع المعاقبين في قفص ثم إشعال النار في أجسادهم، مثلما جرى مع الرهينة الأردني الطيار معاذ صافي يوسف الكساسبة (29 مايو 1988 – 3 يناير 2015)، حيث ألبسوه لباسا برتقاليا، وحبسوه في قفص كبير قبل أن يضرم أحد قادة التنظيم النار فيه، بعد أن سُكبت على القفص مواد سائلة، جعلته يشتعل دفعة واحدة، ويهوي متفحما بين حمم اللهيب، لتتحرك بعدها جرافة تهيل التراب والحجارة على القفص، فتخمد النار، ويتحطم القفص، ولا يظهر فيه أي أثر للمحروق.

لكن القفص الحديدي هذا لم يقف عند حد إعدام الكساسبة بهذه الطريقة المروعة، بل يُستخدم في أنماط أخف من العقاب لمن يخالفون قوانين داعش داخل القرى والمدن التي يحكمها التنظيم. ويضع التنظيم من يقدر أنهم متهمون في تلك الأقفاص المنصوبة وسط الميادين، وهم مثلا من يرتدون البنطلونات الضيّقة (الجينز)، وحالقو اللحى بالشفرة، وحالقو جزء من شعر رؤوسهم، والذين يضبطون وهم يدخنون، والمتخلّفون عن صلاة الجماعة، ومن لم يغلقوا محالهم التجارية أثناء الصلاة، والذين يتشاجرون من الرجال.

ويمكن هنا أن نضرب مثلا بالشاب عمر أحمد العبد الذي تم اقتياده إلى صندوق بوسط سوق مدينة الميادين السورية في 3 أكتوبر 2015 وبقي فيه مصلوبا ليوم كامل قبل أن يطلق سراحه، بعد أن أن تلقى خمسين جلدة بدعوى أنه متهم بإقامة علاقة "غير شرعية" مع فتاة مسلمة عبر "غرفة الدردشة" على "الواتس آب".

وسجن التنظيم فتيات صغيرات السن داخل أقفاص معدنية مع جماجم في مدينة الرقة عقاباً لهن على مخالفة الزي الذي يفرضه على النساء بالمناطق التي تخضع لنفوذه، مع أن بعضهن لم يكن سائرات في مكان عام، فواحدة منهن مثلا، كانت تقوم بتنظيف درج بيتها، حين تم القبض عليها.

وطُبق العقاب نفسه على إناث بوضعهن في أقفاص إلى جانب المقابر، وإرغامهن على المبيت في هذا المكان المخيف ليلة كاملة، مما أصاب بعضهن باضطرابات نفسية ولوثات عقلية.

وتتراوح مدة الاعتقال داخل هذا القفص بين عدّة ساعات ويوم كامل، يقررها "شرعى التنظيم فى المدينة"، بعد أن يصدر بيانًا بتهمة وعقاب المخالف الذى يوضع داخل القفص، ثم يقوم أحد "الدواعش"، بقراءة بيان العقاب أمام الناس، ويعلقه على القفص.

وتكررت هذه الطريقة الغريبة في العقاب، وصارت ظاهرة، لفتت انتباه كثيرين، وبقدر ما أثارت الاشمئزاز والفزع، فقد أطلقت روح التهكم والسخرية، إذ أقام الشعراء العراقيون: مازن المعموري، وكاظم خنجر، وعلي ذرب، ومحمد كريم، مسرحا يحاكون على خشبته، وتحت لافتة مكتوب عليها "فن الموت"، ما يقترفه داعش من جرائم، حيث ارتدوا الأزياء البرتقالية، التي يُجبر التنظيم ضحاياه على لبسها قبل قتلهم، وأحضروا قفصا، وألقوا قصائدهم من داخله، وهم يمثلون دور الضحايا، وخلفهم أشياء تدل على الموت والخراب مثل حطام الطائرات الحربية، وآلات القتل، وبقايا التفجيرات والمقابر.

وفي قصديته قال مازن المعموري:

"أستطيع أن أتعرف على نفسي الآن
على صورتي أمام اشتعال القفص بعد سلخ جلدي وإضافة بعض النكهات الهندية له
على الشرايين التي تلوح للنار بالعناق المر
على فرجة التحلية قبل النوم من شاشات النت والفيديو
فرجة التعرج بسنارة ملتهبة داخل القلب
أستطيع أن أتعرف عليك الآن".
أما الشاعر علي ذرب فقال في قصيدته:
"إنهيار
خيطُ الدخان
ينتصبُ بين يديكَ
دع دمي يفصل الحالمين
عن ضخامةِ ساقيّ
لقد مر الكثيرُ من الصوت
على أسئلةِ الرؤوس".

وفي قصيدة بعنون "ذباحون" قال الشاعر محمد كريم:

"المنزل مُحاصر الكراج مُحاصَر الشارع مُحاصَر التاريخ مُحاصَر الكنيسة مُحاصَرة المسجد مُحاصَر الجبل مُحاصَر الأرض مُحاصرة السيارة مُحاصرة الكافتريا مُحاصرة الفندق مُحاصر طَطَطَطَطَطَ....طَطَ ....طاه اسلمْ تسلم!".

وشارك الشاعر كاظم خنجر بنص من جملة واحدة تقول: "أعطوني رأسي .. أستطيع العودة به إلى المنزل".

وبلغت السخرية مداها في حفل عرس بمحافظة المنوفية ( دلتا مصر) حيث دخل شاب وفتاة مصريان أثناء حفل زفافهما إلى قفص حديد أمام المدعوين بعد أن قادهما إليه مجموعة ترتدي أزياء شبيهة بأزياء "داعش"، ، ليصمتا للحظة، قبل أن يواصلا الرقص بصحبة هذه المجموعة، على نشيد "صليل الصوارم". وقد انتشر فيديو حفل الزفاف هذا على مواقع التواصل الاجتماعي لينفجر المصريون ساخرين من داعش، وطرق عقابها البشعة.