مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري(أرشيف)
مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري(أرشيف)
الأربعاء 26 أكتوبر 2016 / 10:07

هل نحن بحاجة لوزير للإعلام؟

مصطفى الفقي ـ المصري اليوم

تنص المادة 211 من الفصل العاشر لدستور البلاد على أن "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، وموازنتها مستقلة، ويختص المجلس بتنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئى وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرهما، ويكون المجلس مسؤولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، بينما تنص المادة 212 على أن "الهيئة الوطنية للصحافة" هيئة مستقلة تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها وتنمية أصولها وضمان تحديثها واستقلالها وحيادها والتزامها بأداء مهني وإداري واقتصادي رشيد.

والذي يعنينى من الإشارة إلى هاتين المادتين أنه لم يأت ذكر من قريب أو من بعيد يحتم إلغاء وزارة الإعلام، لأن وزير الإعلام هو مسؤول الاتصال السياسي بين المجلس والهيئة، ومجلس الوزراء على الجانب الآخر، فهو الذي يحضر اجتماعاته ويستوعب توجهاته ويكون مسؤولاً سياسياً بين الدولة الرسمية والتنظيمات الإعلامية الأخرى كما حددها الدستور، إذ لم ينص الأخير على أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يحل محل وزارة الإعلام، وفي ظني أننا تسرعنا بإلغاء الوزارة دون تمحيص أو دراسة، وكان الأجدى بنا أن نتيقن من أن الوضع الحالي أو القادم- في ظل غياب وزارة الإعلام- سوف يضمن سلامة تطبيق السياسات الإعلامية ويكفل الحريات المنصوص عليها فى الدستور ويحقق سلاسة الأداء واحترام المهن الإعلامية دون تضييق أو تجاوز، ولعلي أطرح هنا ملاحظات ثلاث ترتبط بهذا الموضوع الذى نكتب فيه:

أولاً: إنني أدرك جيداً أن الدول المتقدمة ليس فيها وزراء للإعلام، بل وأضيف إلى ذلك أن وجود وزير للإعلام يعطى أحياناً شبهة تقييد الصحافة والرقابة على الراديو والتلفزيون، ويعد مؤشراً للتضييق على الحريات، ويرتبط تاريخياً بالأنظمة الشمولية أو شبه الشمولية، أو أنظمة الرأي الواحد، ولكن الموقف في حالتنا هنا مختلف، فأنا لا أريده رقيباً جديداً على الإعلام المصري، كما لا أتوقع منه أن يكون ممثلاً للدولة بالمعنى السلبي، ولكنني أريده بالمفهوم الإيجابي، بحيث يصبح ضميراً يقظاً للمجتمع ذاته تحكمه قيم أخلاقية رفيعة ورؤية بعيدة للمصالح العليا للبلاد، مع خبرة في الإعلام بفروعه المختلفة، وإيمان عميق بحرية الرأي وحق المواطن العادي في وصول المعلومة إليه دون تزييف أو تغيير أو إخفاء، كما أنني أريده محايداً في آرائه السياسية ويقف فقط على أرضية وطنية، لا يحكمه الهوى ولا يتأثر بضغوط من أي اتجاه، فالوطن هو الأولى بالولاء والإيمان والصدق عبر العصور.

ثانياً: إن الوضع الراهن لا يبدو مريحاً، كما أنه لا يخلو من تجاوزات لا مبرر لها، بل أكاد أحياناً أقول إنه قد اختلط الحابل بالنابل وطغت الإثارة والأصوات الصاخبة على الموضوعية والتعقل واحترام المصالح العليا للبلاد والمحافظة على العلاقات المصرية بالدول الأخرى، في إطار من الوعي الوطني وتجنب تحريك المشكلات أو خلق الأزمات، مع حرص شديد عند التعامل مع سياسات الدول الشقيقة والصديقة، إنها عملية موازنة دقيقة بين حرية الرأى التى لا تفريط فيها ولا خروج عليها وبين الالتزام الوطني الذي تحتاجه البلاد، خصوصاً فى المراحل الدقيقة والأوقات الصعبة، ولقد لاحظنا في الشهور الأخيرة ارتباكاً فى بعض المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة، المقروءة أو المسموعة أو المرئية، وهذا يعنى أننا بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في كل ما يجرى على الساحة الإعلامية وترشيد العملية برمتها، خلاصاً من أخطاء وقعنا فيها، وتحسباً من أخرى قد ننزلق إليها، بل إنني لاحظت كما لاحظ غيري نوعاً من حالات الشلل الذي جمد الحركة فى بعض المؤسسات الصحفية، وجعل الجميع يترقبون صدور قانون تنظيم الإعلام، ولكن انتظارهم طال!

ثالثاً: إننا إذ نطالب بوجود وزير للإعلام في هذه المرحلة فإننا نعني بذلك أن يكون وزيراً انتقالياً نتجاوز به الأوضاع الحالية حتى يتم ترتيب "البيت الإعلامي" من الداخل، وتقف المؤسسات الإعلامية التي نص عليها الدستور على قدميها، وتستطيع الاضطلاع بمهامها على نحو يضع الأمور فى نصابها، ويتجاوز بالإعلام المصري محنته الحالية وأزمته القائمة.

إننى أعلم أن هناك الكثيرين الذين يقفون على الجانب الآخر من هذه الدعوة، ولكن دافعنا فيما نكتب هو الرغبة في إصلاح الوضع الحالي ومواجهة المشكلات القائمة فى المؤسسات الإعلامية المختلفة، مدركين أنه قد لا يكون الحل بالضرورة هو وجود وزارة للإعلام على رأسها مسؤول سياسي هو عضو فى الحكومة يحضر اجتماعات مجلس الوزراء ويدرك الأبعاد المختلفة لكل ما يدور حوله، كذلك يكون قادراً على إيضاح الحقائق فى مواجهة أي استفسار من مصدر إعلامي- حكومي أو خاص- يريد أن يستجلي الحقيقة أو يتأكد من معلومة أو يحصل على تفاصيل موقف رسمي للدولة، إننا نبغي الإصلاح، ولكنه له وجوه كثيرة نختار منها الأصلح والأنفع والأكثر فائدة للمواطن، باعتباره المستهلك الحقيقي للمادة الإعلامية، وله الولاء دائماً دون سواه.