الأربعاء 26 أكتوبر 2016 / 09:11

حتى لا تنهار منظومة الأمن القومي العربي

عماد عريان - البيان

من أبرز المظاهر المتفاقمة لمخاطر حدوث انهيار شامل لمنظومة الأمن القومي العربي والعلاقات العربية البينية، هذا العجز الكبير للدول العربية عن التعامل مع قضاياها الطارئة بأفق سياسي ينزع فتيل التوتر ويحجم الأزمات قبل انفلات خيوطها من بين أصابع الجميع، فضلاً عن اللجوء إلى البدائل العسكرية كحلول لهذه القضايا وتبني الخيارات الأمنية كمنهج للخروج من المأزق، وهو منهج ثبت فشله الكبير خلال السنوات القليلة الماضية سواء في سوريا أو ليبيا أو غيرها لدرجة أن الأطراف الدولية الكبرى الفاعلة في تلك الأزمات كثيراً ما عدلت هي نفسها من مواقفها في التعامل مع تلك الصراعات لتؤكد في نهاية الأمر أن لا حلول عسكرية لها وأن الحلول السياسية هي الأساس في تسويتها.

ولكن حتى هذه المنطلقات لم تستطع الدول العربية الإمساك بها لتحولها إلى برامج سياسية لمواجهة الأزمات في المنطقة، بل إن بعضها لا يزال متمسكاً بالحلول الأمنية والعسكرية، رافضاً التراجع عن مواقفه قيد أنملة برغم أن تلك الأفكار نفسها لم تعد مقبولة بصورتها الأولى من جانب المجتمع الدولي.

ويبلغ العجز العربي مداه بعدم قدرة الدول العربية – حتى الفاعلة منها والناشطة في تلك الحروب والأزمات – عن فرض كلمتها في هذه الصراعات، حيث باتت مقدرات المنطقة، حاضرها ومستقبلها، في أيدي القوى الكبرى التقليدية، واشنطن وموسكو والعواصم الأوروبية التي بمقدورها وحدها تغيير المعادلة في المنطقة من خلال القنوات السرية والغرف المغلقة لتجد القوى العربية نفسها في نهاية المطاف مجبرة على قبول حلول مفروضة عليها من الخارج حتى ولو لم تتسق مع مواقفها المبدئية لتدفع بذلك ثمناً باهظاً لحساباتها الخاطئة منذ البداية، وهو ليس بجديد على أمتنا العربية على أي حال.

ولا شك في أن هذه الحقائق المؤسفة باتت تحتم على الأطراف العربية أن تكون هناك وقفة عاجلة وعملية بين الأشقاء لاحتواء الخلافات ومواجهة المخاطر الكبرى البادية في الأفق وعلى رأسها بالقطع احتمالات الانهيار الشامل لمنظومة الأمن القومي العربي والعلاقات العربية البينية التي تمثل هي الأخرى هدفاً واضحاً وصريحاً للأطراف الراغبة في إعادة صياغة المحيط العربي بأكمله سياسياً وجغرافياً واقتصادياً وديموغرافياً.

هذا مخطط لن يستثني أحداً، وهو الخطر الثاني الذي يجب أن ينتبه إليه الأشقاء العرب ولا بد وأن يدركوا أننا أمام موجة استعمارية جديدة مطلوب توظيف أطراف عربية في إنجازها، ولكن على كل الأطراف العربية أن تدرك أنها أيضاً هدف لتلك الموجة الجديدة بتوريطها في صراعات عسكرية طويلة واستنزاف قدراتها وإثارة النزعات الدينية والمذهبية ومحاصرتها بالقوانين والتشريعات المشبوهة، وقانون "جاستا" الأمريكي هو أحدث خطوة في هذا الاتجاه.

ومن الضروري بذل كل جهد ممكن للحيلولة دون وصول العرب إلى السيناريو الكارثي الذي يضعهم على شفير البركان المتفجر، وعلى رأس التحركات المطلوبة في هذا الشأن إصلاح العلاقات العربية البينية، باعتبارها المنطلق الأساسي لما سيأتي بعد ذلك، وتنقية أجواء العلاقات العربية وإزالة الغيوم التي تسود أفقها فيما بين بعض الدول العربية، والعمل على استعادة المبادرة والفعل للموقف العربي الواحد، وهو ما يتطلب التحرك الميداني من القيادات، عبر تحرك العقلاء، وتكثيف الزيارات الميدانية، واستعمال الدبلوماسية العامة عبر شخصيات عربية مرموقة أو مجموعة حكماء لإجراء الاتصالات واستكشاف الحلول لمعالجة أزمات عربية معينة ما بين هذه الدولة أو تلك.

وكذلك التشاور حول المسائل التي نريد كعرب وكدول وكمجموعة طرحها جماعياً، بعيداً عن إرباك الموقف العربي بطرح مبادرات غير مدروسة أو مواقف غير ناضجة وليس بشكلٍ تلقائي وبدون تحضير، والعمل على إرساء أساليب وأطر توائم ما بين المصالح الوطنية لكل دولة والمصالح الجماعية المشتركة، وإزالة الشكوك وهي إحدى النقاط السوداء وعدم الثقة التي تطرأ في السماء العربية من حين لآخر، وعدم السماح للاختلاف في الرأي أن يتحول إلى خلافات تسيء للعلاقات العربية وتنعكس سلباً على المواطن العربي.