الإثنين 31 أكتوبر 2016 / 18:40

محمد بن راشد ومشروع تحدي القراءة

استوقفتني فكرة (تحدي القراءة) المشروع الأكبر عالمياً .. من المعروف أن مفردة التحدي عادة ما تكون مصاحبة للأمور التي من الصعب تنفيذها والتي قد تصل في بعض تشعباتها إلى استحالة الخوض بها أو التقرّب منها غير أن الذي يفعل ذلك لا بد له أن يكون مليئاً بروح التحدي التي لا يُعيقها عائق ولا يقف في طريق عزيمتها واقف. تلك الروح التي تكتشف قوتها الحقيقية في تحديها وانتصارها على كل ما هو مستحيل.

محمد بن راشد يطمح لصناعة أجيال قارئة ويعلم أن صناعة كهذه تحتاج إلى بال طويل وعزيمة فائقة غير أنه بذر البذرة وسقاها فنمت وأينعت. هو يؤمن أن الشباب هم الأرض الصالحة الخصبة والحيوية لبذر المعرفة والمحبة والتسامح والإرادة العازمة على تذليل الصعاب وتجاوزها وهم من سيؤسسون وسيورثون ما يؤسسونه للأجيال التي تليهم. إنه يترجم الحكمة العربية القديمة التي تقول (العلم في الصغر كالنقش على الحجر).

لا بد من أن نتوقف قليلاً عند التوقيت الذي أطلق به رئيس الحكومة ولي عهد دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مشروع تحدي القراءة فمن الواضح أن شبابنا اليوم محاطون بل محاصرون بالثورات الإلكترونية والفتوحات التكنولوجية والتي أدمنوا عليها واستهلكت جل أوقاتهم فتضاءلت فرص القراءة بل تلاشت تماماً وهنا مكمَن التحدي الذي راهن عليه محمد بن راشد وهو يُطلق مشروعه هذا ليعيد صياغة استهلاك الوقت بغية ترجيح كفة القراءة على من سواها لترسيخها كممارسة يومية لأنه يدرك أن القراءة تجعل الروح رشيقة وفاعلة كالرياضة التي تجعل الجسد رشيقاً وفاعلاً. كما يدرك بأن الإنسان خُلقَ وفيه مواهب متعددة تحمل شحناتها الابداعية معها ولكنها مواهب عاطلة غير فاعلة تحتاج الى محرِّض يدعوها للتفعيل ويحصل هذا التفعيل من ما يكسبه الانسان من القراءة فكما هو معروف أن الموهبة ذاتية ومكتسبة ولا تعمل الموهبة الذاتية إلا إذا تم تدعيمها بالموهبة المكتسبة وعلى إثر ما تقرأ تتجه البوصلة المعرفية لتحدد نوعية الفن او العلم الذي ستبدع به.

محمد بن راشد يريد لمشروع تحدي القراءة أن يكون ثقافة مجتمعية قادرة على استدعاء الحضارة الإنسانية واستئنافها من جديد (طريقنا الأسرع لاستئناف الحضارة في منطقتنا بجيل مثقف منفتح متسامح قادر على نشر الأمل وبناء المستقبل )، كما أنه بنشر هذه الثقافة وترسيخها لم يتوقف عند حدود اقتضاب المشاركة بل توسّع بها فالأرقام التي ذكرها في إحدى تغريداته عن المشاركة العربية في المشروع. 60 ألف مشرف من 54 جنسية في 21 دولة ملفتة وتدعو للغبطة والفرح بل أنه ذهب أبعد من ذلك حين أكد بأن هذه المشاركات في هذا المشروع المعرفي الكبير (دليل بأننا كعرب نستطيع العمل معاً).

القراءة إذن تحدي والخوض بهذا التحدي يجب أن يكون محاطاً بالمحركات التي تدعوه للعمل بروح عزومة سامية وأهم هذه المحركات وأولها هو حرص محمد بن راشد على نجاح وادامة هذه الإضاءة المبهرة في تأريخ القراءة.