الإثنين 21 نوفمبر 2016 / 21:57

لبنان: خطاب القسم.. من القصير

متخمة كانت بيروت في الأيام الماضية، بالأحداث، أو بالمشاهد ـ الرسائل تأتي من حزب الله، الفريق المسلّح الذي لم يعد يعنيه توجيه التحذيرات المبطنة وغير المبطنة إلى فريق دون آخر، كما كانت تجري العادة منذ العام 2005 وحتى قبل وقت قليل من الآن.

في القصير، استعرض حزب الله بميليشياته معدات عسكرية، لعله استعارها من ميليشيات حليفه النظام السوري، أو أخذها عنوة فلا فرق لدى الأخير طالما يقوم الحزب بواجب الحفاظ على قصر المهاجرين، ليبقى الرأس على الكرسي حليفاً استراتيجياً لنظام الملالي في طهران. الاستعراض الذي شغل الرأي العام اللبناني والإقليمي، لا جديد فيه سوى أن الميليشيا صار لديها معدات جيوش نظامية. طبعاً ليس القصد من كل هذا التفاخر تحذير إسرائيل، لأن كل هذه المعدات لا تخدم الحزب في أي معركة له معها، وهذه المعركة بالطبع لن تأتي قريباً، هذا إذا حصلت أساساً.

في القصير، كانت رسالة مغايرة لكل ما اعتاد الحزب أن يُرسله، هي ليست لفريق بعينه، بل للبلاد بأسرها. للحليف والخصم، حتى وإن كانت الخصومة أزيحت مؤقتاً بعد انتخاب رئيس حليف للحزب، وتكليف خصم بتشكيل حكومة سيحكمها الحزب بفيتوهاته التي أصبحت أكبر بكثير من وزير ملك يأتون به ليحفظ لهم الثلث المعطل.

استعراض عسكري، على أرض محاذية للحدود اللبنانية، احتلّها الحزب وطرد منها سكانها ووزع أرضها على المحسوبين عليه، كان أشبه بترحيب خبيث بعهد جديد، يعتقد أن باستطاعته الحكم. عهد قائد جيش سابق، يستقبله الآمر الناهي اليوم، بعرض لجيش موازٍ، أقوى وأفعل، ومتفلّت من كل عقيدة. استعراض، يقول للجميع إن الحاكم في مكان آخر، ليس في بعبدا ولن يكون في السرايا ولا حتى في مجلس النواب لدى حليفه. دبابات ترفع أعلام حزب الله، أو تُفصّل خطاب القسم الفعلي لعهد يبدو منذ أن أطلّ، أسوأ من أي شيء مرّ من قبل، استعراض من هنا وفلتان من هناك بوتيرة لم يعتد عليها لبنان بهذا الشكل، هذا في انتظار بيان حكومي قد لا يأتي، ولكنه في أي حال، سيكون على صورة القصير، أو الجاهلية.

والجاهلية، قرية في الشوف، يتحدر منها سياسي لبناني موالٍ لبشار الأسد وحسن نصرالله. قام بالأمس باستعراض عسكري لسرايا "التوحيد" للدفاع عن النفس كما قال. مشهد بالتأكيد لم يكن المقصود فيه النائب وليد جنبلاط، كون وئام وهاب يعتقد أنه ينافس الزعيم الدرزي على صدارة الطائفة. بل هو في سياق القصير أيضاً وأيضاً، رسالة للعهد بأكمله. وهاب أداة للحزب، جديدة من حيث الشكل الذي كانت فيه بالأمس في الجاهلية، تُظهر الصورة الفعلية لما ستكون عليه البلاد في المقبل من الأيام، "سرايا" متنوعة، تتبع للقائد الأعلى في الضاحية الجنوبية لبيروت: حسن نصرالله.

بإمكان القوى السياسية المتفرقة أن تتلهى بتقاسم الوزارات، سيادية وخدماتية، حتى يُقرر "حزب الله" من يأخذ هذه ومن يأخذ تلك، وإلا فلا حكومة ولا من يحزنون. بإمكان سعد الحريري أن يحاول، وأمامه كُثر ينتظرون أمر عمليات من حارة حريك. فجأة، تتلاشى الصور الوردية شيئاً فشيئاً. هنا دولة حزب الله. رسائل سريعة، تُعيد الجميع إلى الواقع الذي اعتقدوا إنهم يستطيعون التحايل عليه، وهو إلى الآن، يُثبت أنه أدهى منهم جميعاً، ويتحكم بهم كيفما يشاء.

"لبنان عائد"، رددها كُثر حين انتُخب ميشال عون رئيساً للجمهورية، ورددها مثلهم حين كُلّف سعد الحريري تشكيل حكومة وحدة وطنية. المفارقة، حزب الله أتى بعون وأوفى دينه، ولم يسمّ الحريري للتشكيل "لكنه رضي به، بتعالٍ". حزب الله، يُدرك أنه يدير اللعبة، وكُثر بعتقدون أنهم يستطيعون التذاكي، وفي كل مرة حاولوا ذلك، كبر حزب الله وتوسع.

على أي حال، الآن، مع العهد الجديد وفي ذكرى الاستقلال، الأمور تُبشر بكل خير. خطاب القسم "الفعلي" الذي أتى من القصير، يحكم. فقط لا غير.