الجمعة 2 ديسمبر 2016 / 20:53

مرحباً بالسيسي وشكراً لمصر

مصر هي التحالف العربي الذي سيرجح الميزان. إن كانت المشكلة التي يواجهها العرب اليوم هي الأطماع الإيرانية في التحكم به من جهة والإرهاب من جهة أخرى، فإن مصر، هي ركيزة العمل العربي لدحر هذه الأخطار

تساهم الأعياد في تاريخ البشرية في صياغة الوعي الجمعي بالوجود والانتباه لأهم العبر والإسهام في تخليدها، فعيد الأضحى مثلاً يربط الناس بفكرة التضحية والفداء للبشرية، وعيد الفطر يمنح فرصة للتفكر في النعم ومشاركة الآخرين، وأعياد الميلاد تذكر الناس بهبة الحياة، وكذا هو المطلوب حيال الأعياد الوطنية الكبيرة التي تعمل على ترسيخ عاطفة قومية بين الناس، وتمنحهم ما يتأملونه خلال احتفالاتهم. وبعد يوم الشهيد، جاء العيد الوطني، وحمل معه هذه المرة، كرمًا كبيرًا إذ يشاركنا الاحتفاليات الزعيم المصري الرئيس عبدالفتاح السيسي.

مشاركة الرئيس السيسي في هذا الاحتفال تأتي برمزية كبيرة، الزعيم السيسي، يمثل اليوم رمزاً عربياً كبيراً، لانتصار إرادة الشعب وقهر طغيان المتأسلمين، وانكسار شوكة المؤامرات من فوضى خلاقة وخلافه، وهو بحد ذاته قصة نجاح مميزة، وزيارته للإمارات تحوي تعبيراً خاصاً عن العلاقة المتميزة التي تربطه بها، ونفرح بها، لأنه يمثل مصر العظيمة التي نحبها، مصر التي ترقد على بحر من التاريخ الزاخر بالعطايا والمفاخر والانتصارات. مصر التي تمنح النيل المجد وهو يمنحها الحياة، مصر طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، مصر التي فيها منارة الفكر والمعرفة، وتحتوي على الأزهر الذي يحفظ للمسلمين دينهم نقياً عن التشدد والتعصب، وفيها أيضًا شعلة التنمية والمعرفة والنهضة الحقيقية، وكما أنها التاريخ العظيم، فهي المستقبل أيضًا. إننا نراها جميعها اليوم رفقة هذا الرئيس تحتفي معنا وتحتفل.

الملفات السياسية التي ستناقش، كثيرة، ربما الإرهاب، والوضع في سوريا، خاصة وأن مصر قدمت لمجلس الأمن مع اسبانيا مشروع قرار لهدنة، ليستريح العالم من القتل والذبح والأحزان ولو لعشرة أيام، سيطرح أيضًا الوضع في ليبيا التي يزور حفترها موسكو هذه الأيام، وقد أرسل تصريحًا مبهرًا لخصوم ليبيا "تسلحوا كما شئتم فستكون أسلحتكم من نصيب جيشنا"، والزعيم الكبير الرئيس السيسي ينظر لكل هذه القضايا بعين مصر، التي هي ظهر العرب وبطنهم، ولكن هناك ما هو أهم يحمله الرئيس المصري للإمارات قيادةً وشعبًا، فما هو؟

إنه رصيد من الحب الهائل والمطلوب، أحسست به بشكل شخصي قبل أيام، وأنا أتشرف بمداخلة هاتفية على قناة مصرية، وسمعت بأذني صدق الأحاسيس التي يملكها هذا الشعب العظيم، خاصةً بعد أن تشكل محور الاستقرار العربي، الذي يشكل التلاحم بين دول العرب ضد الظلامية والرجعية والمشاريع الصفوية لتقسيم المنطقة. هذا الحب يبادله شعور إماراتي تجده عند كل فتى وصبية، شعور بالمحبة لمصر المدرسة والتاريخ والثقافة والسياسية. المصريون اليوم يعرّفون الإمارات بحب مختلف، وإحساس راقي، والإماراتيون يعبرون عن حبهم بطرق مختلفة لمصر العظيمة، ولكن الصورة اليوم هي أبلغ من كل كلام.

مصر هي التحالف العربي الذي سيرجح الميزان. إن كانت المشكلة التي يواجهها العرب اليوم هي الأطماع الإيرانية في التحكم به من جهة والإرهاب من جهة أخرى، وكلاهما يهاجم فكرة الدولة، في أساسها فإن مصر، هي ركيزة العمل العربي لدحر هذه الأخطار، فهي الدرع الواقي من انتشار التشيع السياسي بوعي خال من الطائفية، وهي الدولة التي تحتفظ بخبرة دستورية تتجاوز في التاريخ سنوات طويلة وصولاً إلى محمد علي باشا والوعي فيها يرتفع ليحقق مناسيب مهمة في هذه المرحلة، وأخيرًا فإن مصر الأزهر هي ركيزة ثقافية لإنتاج ثقافة وسطية معتدلة. لذلك فإننا نفرح اليوم أن نرى المواقف العربية متوائمة لمواجهة التحديات التاريخية التي تقف بوجه الأمة.

لنا أن نفخر بعصرنا هذا، لأننا جئنا في زمان رفضنا أن نكون فيه مجرد "لاعبين" خلفيين، وأخذنا المخاطرة وتقدمنا الخطوط وقالت قيادتنا كلمتها، والتف الزعماء العرب حول نظرة حكيمة لمحور الاستقرار العربي، الذي يوقف محور الدمار والتطرف والمليشيات.

يلتقي الزعماء العرب في أبوظبي، بعد تغيّرات كبرى في العالم، أقلها هو انتخاب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وفي هذه المناسبة الاحتفالية التي تجمعهم هنا، فإنهم يرسلون رسالة تطمئن الجميع، أن الضمير العربي حي، وصوت العربي لن يخفت بعد اليوم، لأن القيادة تعرف يقيناً كيف تستطيع أن تحافظ على السفينة.

مشاركة الرئيس المصري في العيد الوطني الإماراتي اليوم، تجعله ضمن الضمير الوطني، وتذكرنا بما ظل يوصي به الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الأب المؤسس، والذي قال إن مصر هي قلب العروبة، وقد علمتنا الأيام أهمية مصر، وأهمية التضامن معها ضد التيارات الظلامية، كالإخوان المجرمين الذين يكاد الغيظ يذبحهم اليوم بسبب زيارة الرئيس السيسي إلى بلادنا.