السبت 3 ديسمبر 2016 / 19:01

مرجعية داعش.. الكتب التي تصنع تفكير التنظيم وتدبيره

يستفيد تنظيم داعش من موروث طويل من الأفكار التي أنتجت في سياقات شبيهة، إلى حد ما، بالسياق الذي يحيط بداعش في الوقت الراهن، وحوتها كتب قديمة، نقلت منها كتب حديثة ومعاصرة، أثرت في الأفكار التي تحكم داعش، والتي جاءت في كتب مثل "إدارة التوحش" لأبي بكر ناجي، و"ملة إبراهيم " لأبي محمد المقدسي، و"فرسان تحت راية النبي" لأيمن الظواهري، و"معالم في الطريق" لسيد قطب، و كتابي" مسائل من فقه الجهاد" و"معالم الطائفة المنصورة في بلاد الرافدين" لأبي عبدالله المهاجر، وكتاب "دعوة المقاومة الإسلامية" لأبي مصعب السوري، و"أهل التوقف بين الشك واليقين" لحلمي هاشم، و "العمدة في إعداد العدة" و"الجامع في طلب العلم الشريف"لسيد إمام عبد العزيز، المعروف باسم الدكتور فضل.

ويعد كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" هو مانفيستو كل الحركات "الجهادية" التي مارست العنف والإرهاب. ورغم أن القيمة العلمية أو الشرعية للكتاب غاية في التهافت والضحالة، فإن لغته القاطعة المفعمة بسحر البيان، وتعويله على من لا يمتلكون عقلا نقديا، أو علما كافيا للحكم على الأمور الدينية، جعلته يؤثر في جمهور عريض من شباب المسلمين. ولذا لم يبالغ الرجل الثاني في تاريخ تنظيم القاعدة أيمن الظواهري حين قال: "إن سيد قطب هو الذي وضع دستورنا في كتابه معالم في الطريق".

وتأتي إصدارات "داعش" على ذكر بعض مقولات وأفكار سيد قطب ومنها تلك التي وردت في كتابه "في ظلال القرآن" وخاصة تلك التي تقول: "فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد"، أو تلك التي تطالب بــــ "إعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها. فهي حدود الطاقة إلى أقصاها.. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها".

وينطلق كتاب "معالم في الطريق" من افتراض مفاده أن المسلمين يعيشون حالة من الجاهلية، والشرك الخفي، ولا مخرج سوى العودة إلى فهم وتطبيق "لا إله إلا الله" وهو ما لن يتم سوى بـ "الحاكمية" التي تعني تحكيم الله في كل شيء. ونظرا لأن هناك من يقاوم هذا الاتجاه، فلا بد من إطلاق يد الجهاد ضده، في سبيل إزاحته، وتمكين "الدين" ورجاله الذين سيعملون على استعادة ما كان لـ "الجيل الرباني" من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام.

ورغم أن ظاهر هذه الكلام يبدو براقا ولافتا وقادرا على زلزلة المشاعر فإنه ينطوي على مغالطات فادحة، أولها أنه يتأسس على أن الناس عادت إلى الجاهلية، وأن الجماعات الدينية وقادتها هم من عليهم إقامة الدعوة فيهم، ومواصلة إبلاغهم بالدين ، أي أنهم امتداد لدور الرسول، وأن بوسعهم أن يعيدوا الزمن إلى ما كان عليه أيامه، متناسين ما جرى في النهر من مياه غزيرة، وما طرأ على الحياة من تعقيدات، وما تقتضيه مصالح المسلمين الحاليين من تصورات وإجراءات وقرارات، وكيف أنهم ليسوا الرسول، بل إن تصوراتهم وتصرفاتهم أبعد ما يكون عن طريقه.

وأشهر كتب لداعش، هو "إدارة التوحش" المنسوب لـ"أبو بكر ناجي"، وهو اسم حركي على كل حال لأحد أعضاء الجماعة الإسلامية المصرية، وهو ممن لم يمتثلوا للمراجعة والمصالحة بين السلطة السياسية والجماعة التي بدأت في تسعينيات القرن العشرين وانتهت مع مطلع الألفية الثالثة.

يرى الكتاب أن الأمة تمر بثلاث مراحل، الأولى: "جهاد النكاية"، والثانية: "عموم الفوضى"، أما الثالثة فهي: "التمكين وتأسيس الدولة الإسلامية". في المرحلة الأولى يُفتح باب "الجهاد" وهو في سلوك وتصورات داعش لا يزيد عن كونه عنفا وإرهابا وتدميرا وتخريبا، حتى تعم الفوضى، ويختلط الحابل بالنابل، ويسود التوحش، ويبحث الناس عن مخرج، فيأتي "داعش" أو من على شاكلته ليقدم لهم الحل، ويخرجهم من الإضطراب الكبير، بسيطرته على كل شيء، وتحقيق الاستقرار، وهذا يحقق له هو التمكين وإقامة "الدولة" التي يسعى إليها.

وبشكل برجماتي واضح يقترح الكتاب على الجماعات "الجهادية" بعض الإجراءات السياسة والعسكرية التي عليها أن تأخذ بها إن أرادت أن تكون لها الغلبة، وتصل إلى التمكين، الذي تصبو إليه، مهما بلغت قسوتها في سبيل تحقيق هذا الهدف حدا لا يطاق، ، حيث يقول: "إن لم نكن أشدّاء في جهادنا وتملكتنا الرخاوة كان ذلك عاملًا رئيسيًا في فقدان عنصر البأس". وفي سياق آخر يقول: "يجب أن يُصفّ الرهائن بطريقة مروّعة تقذف الرعب في قلوب العدو وأعوانه".

يقدم القسم الرابع من الكتاب الذي أعطاه مؤلفه عنوان "استخدام العنف" شرحًا لضرورة إطلاق العنف والقسوة بغية تحقيق هذه الأهداف، التي تنتهي بإنشاء "خلافة" عبر صناعة جيوبِ فوضى، أو مناطق متوحشة، تُجبر الأفراد فيها على البحث عن أي عاملٍ، وأي طرف، يجلب الاستقرار.

وهناك فكرة مركزية في الكتاب هي "دفع الثمن" حيث يفترض مؤلفه أنه لو هاجم عدوٌ الجماعة فإن ردّها يجب أن يكون شديدًا بحيث يخلق إحساسًا من اليأس في الخصوم واقتناعًا تاما بأنهم قد دفعوا ثمنا فادحا لهجومهم هذا. وهذا الثمن لا يجب أن يكون بطريقة مباشرة، بمعنى أنه "لو قام العدو بعمل عدائي على منطقة في جزيرة العرب أو في العراق فيتم الرد في المغرب أو نيجيريا أو إندونيسيا.

ومن ثم فإن العنف القاسي بالنسبة للمؤلف ليس فقط وسيلة ضرورية، ولكن استخدامه العشوائي، غير المحدد، والمخيف سيكون من الأهمية بمكان لتأسيس الخلافة. بهذا المعنى فإن العنف لا يكون فقط طريقة لإيذاء جسدي مفرط، ولكنه في الوقت ذاته أداة استراتيجية يراد لها أن تكون ذات آثار نفسية على "الأعداء" أو من يستهدِفهم هذا العُنف المفرط.

إن هذا الكتاب، الذي يزاوح بين رؤى دينية وتصورات ثورية، يتحدث بشكل صريح، ودون أدنى مواربة أو مداراة، ويأخذ بأشد الأحكام تطرفا وتشددا، ويطرح ما يريده بإطلاقية، وقطعية، وكأنه حقائق نهائية، لا تقبل الرد ولا الدحض ولا التفنيد، رغم ما هي عليه من سطحية ولامنطقية.
وينطلق كتاب "ملة إبراهيم " لأبي محمد المقدسي من فكرة الأخذ بملة النبي إبراهيم ( عليه السلام) التي قامت على "الكفر بالطاغوت" والتبرؤ منه. وبالطبع فإن ما فيه ليس ما كان عليه سيدنا إبراهيم، لكنه فهم المقدسي له، الذي يتدخل، بشكل جارح وبارح، في تحديد أشكال هذا الكفر، الذي يدعيه. وبناء عليه يطلب من المواطنين ألا ينخرطوا في الجيوش النظامية لأداء الخدمة العسكرية، ولا في صفوف قوات الأمن، لأنها من "وظائف الطاغوت"، وكل ما يترتب عليها من رزق هو حرام.

وبذا يعد كتاب المقدسي، الذي يتماس مع كتاب سيد قطب الشهير "معالم في الطريق" سواء في الأيديولوجيا أو القدرة على التأثير، كتابا تكفيريا، ويشكل أخطر الأدبيات التي صاغت فكر داعش ومن قبله الكثير من التنظيمات "الجهادية"، وأغلب مادته مكرسة للهجوم على المملكة العربية السعودية، بعد أن ظل المقدسي نفسه يجاري علماءها فيما يقولونه بشأن الدين والشرع لسنوات.

أما كتاب "مسائل من فقه الجهاد" لعبد الرحمن العلي، وكنيته "أبو عبد الله المهاجر" وهو ممن عاشوا في باكستان، حيث تخرج في الجامعة الإسلامية بإسلام أباد وأنشأ مركز للتدريس والدعوة في معسكر خلدن بأفغانستان وكانت تربطه علاقة قوية بـ "أبو مصعب الزرقاوي"، وألف كتابه هذا الذي يعرف بـ "فقه الدم" وهو يقع في نحو ستمائة صفحة.

يضع هذا الكتاب، مع غيره، الكثير من المنطلقات الفقهية لتنظيم "داعش"، والتي تسعى إلى "شرعنة" أعمال العنف البشعة التي يقوم بها بدعوى أن لها سندا من الشرع، ولذا يغرق الكتاب في اقتباسات واقتطافات وإحالات ونقول من كتب تراثية عديدة، يعتقد الناقل منها أن قدمها، أو نسبتها إلى ما عاشوا في القرون البعيدة، يعطيها قدسية في حد ذاتها، مع أنها مجرد أقوال بشرية. وحتى ما يأتي عليه في مسار برهنته من أحاديث وآيات، فإنه يوظفها لخدمة فكرته، في أبشع استغلال للنصوص الدينية، عبر تأويل فاسد، وتفاسير غير متفق عليها.

وقد أفرد الكاتب جزءا كاملا من كتابه عما أسماه "مشروعية قطع رؤوس الكفار المحاربين"، زعم فيه أن قطع الرؤوس أمر مقصود، بل محبوب لله ورسوله، وقدم، تبريرا لهذا، نقولات، استعملها في مسار برهنة معوج، لا ينطلي على أحد عالم أو عاقل. ويقدم الكتاب العديد من الشواهد والآثار الدينية التي تسوغ وسائل القتل والتعذيب كافة، أيا كانت بشاعتها، مثل الحرق والذبح والإغراق في الماء، واللدغ بالثعابين والعقارب، والرمي من فوق سطوح بنايات شاهقة، وهدم الجدران فوق الرؤوس. بل دعا الكتاب إلى ضرورة أن يمتلك "داعش" أسلحة جرثومية وكيماوية ونووية إن لزم الأمر، واستخدامها ضد أعدائه، دون التوقف عند آثارها المروعة.

بل يذهب الكتاب إلى أن كل وسيلة تتحقق منها نكاية وإخافة وإرهاب في صفوف الأعداء، وكل وسيلة تخطف أرواحهم وتنتزع أرواحهم، فلا حرج في استعمالها، ولا تردد على الإطلاق. وفي هذا تحلل من كل ضوابط يفرضها الدين، وتقرها الأخلاق والأعراف، بل والطبيعة الإنسانية الخيِّرة التقية.

وله كتاب آخر عنوانه "معالم الطائفة المنصورة في بلاد الرافدين"، ويحوي شرحا وتبيانا لسياسات داعش على أرض العراق، وأسباب استباحة دم أتباع المذهب الشيعي والعلمانيين من اليساريين والليبراليين، وكل من يؤمن بالديمقراطية، قيما وممارسات وإجراءات وسياق، ويدعوى إلى تطبيقها، لأنه بهذا يدعو إلى الحكم بغير ما أنزل الله. ولذا يكفر الكتاب الأحزاب السياسية أيا كانت اتجاهاتها، قومية أو بعثية أو شيوعية أو اشتراكية أو ليبرالية أو توليف من كل هذا.

وهناك كتاب "فصول في الإمامة والبيعة" لأبي المنذر الشنقيطي، وهو من الكتب الأثيرة لدى أعضاء التنظيم، رغم أن مؤلفه ليس عضوا في "داعش"، ولا ممن يعلمون أتباعه، لكنه قريب من التنظيم ايديولوجياً.

وينطلق الكتاب من أن "تنصيب الإمام واجب شرعي على المسلمين في كل مكان ولا يختص به زمان عن زمان" ويقول في هذا: "ومن زعم أن نصب الإمام غير واجب في هذه الأيام فقد افترى على الله، لأنه عارض الائتلاف وزعم أن الشرع أقر الناس على التفرق والاختلاف".

وهناك كتب أخرى مثل كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية" لأبي مصعب السوري، وهو يركز على شق مسار للمقاومة المسلحة و"الجهاد" دون الاعتماد على البنى التنظيمة لداعش، أو انتظار قيام "الحكومة الشرعية" أو الوصول إلى مرحلة التمكين.

ويوجد كتاب "رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماماً للناس"، لجهيمان بن محمد العتيبي الذي اقتحم الحرم المكي في حادثة إرهابية شهيرة وقعت عام 1980. ويدعو الكتاب إلى الانشقاق أو الخروج على الحكومة، ورفض كافة الوظائف التي تقدمها، بزعم أنها حرام، لكونها في خدمة حكومة لا تحكم بما أنزل الله.

أما كتاب "هل التوقف بين الشك واليقين"، فهو أهم مؤلفات حلمي هاشم، وكنيته "عبد الرحمن شاكر نعم الله"، وهو ضابط شرطة مصري سابق، ترقي إلى رتبة المقدم قبل طرده من الخدمة، بعد أن ثبت انتماؤه إلى الجماعات التكفيرية.

وتبلغ كتابات هاشم 25 مؤلفا من بينها "التكفير بالعموم"، و"أحكام الذرية الرد على شبهات في الحاكمية" و"حجة الله البالغة"، و "معالم سنن الاعتقاد"، و "نظرات في واقع محمد قطب المعاصر"، و "الطاغوت"، "و قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر"، و"أصحاب السبت"، و"أصحاب الحد"، و"الربوبية والطاغوتية"، و"الدار والديار".

وقد ركز كتاب "هل التوقف بين الشك واليقين" على تقديم ردود على من يرفضون تكفير عموم الناس أو الجمهور، بل إنه كفر هؤلاء الرافضين أو المعترضين على التكفير، واعتبر أن "كل الديار الآن دار كفر والأصل في أهلها الكفر".

وهناك المجلة الرسمية لداعش وهي "دابق" التي خصص التنظيم عددها الأول للحديث عن "ضرورة الخلافة"، ثم تبرير استخدام العنف، حيث يقول أحد المقالات: "لخلق أقصى مقدارٍ من فوضى، ركّز الشيخ أبو مصعب على توظيف أكثر الأسلحة فَعالية: السيارات المفخخة، العبوات الناسفة والاستشهاديين. كان يأمر بعمليات مكانية في العديد من الأماكن يوميًا، مستهدفًا وقاتِلًا المئات من المرتدين. بالإضافة لذلك فقد حاول إجبار كلّ جماعة مرتدة على الدخول في حربٍ شاملة. لذلك استهدف القوات العراقية المُرتدة (الجيش، الشرطة والمخابرات)، واستهدف الشيعة والأكراد العلمانيين ... هذه الهجمات ستجبر القوات المرتدة على الانسحاب جزئيًا من المناطق الريفية وتعاود التجمع. حينها تقوم الجماعة باستغلال الوضع وتزيد الفوضى إلى حد يصل إلى الانهيار الكامل للأنظمة الطاغية، وضعُ أسماه البعض بـالفوضى التعطيليّة".

وفي العدد الرابع من المجلة في مقال معنون "تأملات في الحملة الصليبية الأخيرة"، قال المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني في معرض مطالبته لمقاتلي داعش وقادته: "قضَّ مضاجعهم، ونغص عليهم عيشهم، وأشغلهم بأنفسهم.فإذا قدرت على قتل كافر أمريكي أو أوروبي، وأخص منهم الفرنسيين الحاقدين الأنجاس، أو أسترالي أو كندي، أو غيره من الكفار المحاربين، رعايا الدول التي تحالفت على الدولة الإسلامية، فتوكل على الله، واقتله بأي وسيلة أو طريقة كانت، ولا تشاور أحدًا ولا تستفت أحدًا، سواءً أكان الكافر مدنيًا أو عسكريًا، فهم في الحكم سواء…على كل مسلم أن يخرج من داره ويجد صليبيًا ويقتله. من الضروري أن يُنسَبَ القتل إلى أنصار الدولة الإسلامية المطيعين لقيادتها. من السهل أن يتم الأمر بشكل مجهول وإلا أظهرت وسائل الإعلام الصليبية عمليات القتل هذه على أنها عمليات عشوائية".

هذه الكتب تمثل الأساس الذي ينطلق منه داعش، ويحيل إليه، ويعتقد في إطلاقيته ووثوقيته، ويرتكب من الجرائم ما تشيبب له الولدان دون روع ولا تردد اعتقادا منه في أن ما ورد في سطور هذه الكتب يبرر له ما يفعل، ويقيم له الحجة في وجه منتقديه.

والمشكلة التي تواجه من يتصدى لأفكار داعش أن هذه الكتب ساحت في الأرض، حيث ساعدتها شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" في أن تصل إلى كل من يبحث عنها، بل إن اللجان الإعلامية والإلكترونية في داعش تقتحم على الناس بيوتهم لتقدم لهم هذه الأفكار عبر مواقع التواصل الإجتماعي :فيس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب" فضلا عن مواقع التنظيم. وأكبر دليل على مدى عمق هذا المشكلة أن كتاب "إدارة التوحش"، على سبيل المثال لا الحصر، تم بث مادته في أكثر من خمسة عشر ألف موقعا وصفحة إلكترونية، وصار يقرأ على نطاق واسع.
علاوة على هذا فإن المصادر الأساسية التي ينهل منها مؤلفو "داعش" من كتب تراثية، تطبع وتوزع عيانا بيانا في كل الدول الإسلامية قاطبة، وفيها ما يخدم بعض أفكار التنظيم وتوجهاته، مما يسهل التفاعل الإيجابي مع الأفكار التي يوردها هؤلاء المؤلفون.

في مقال مهم لها بعنوان: "ما وراء الأصالة: داعش والتراث الفقهي الإسلامي" الذي خصصت أغلبه لتبيان مصادر عنف "داعش" ثم شرحت كيفية مخالفتها لمقاصد الشريعة الإسلامية وأوردت بعض ردود الفقهاء القدامى عليها، تتحدث سهيرة صديقي عن تحول المسلمين على امتدادِ العالم للدفاع عن دينهم، ونفي علاقة داعش به، مشيرة في هذا الصدد إلى الرسالة المفتوحة ذات الـ18 صفحة الصادرة عن شيوخٍ بارزين عالميًا، أو بيانُ أكبر 12 مسجدا في بريطانيا، أو الفتوى المكتوبة والموزعة من قبل شيوخٍ سنة وشيعة في بغداد. وهناك الجهد الذي يقوم به الأزهر ودار الإفتاء في مصر في الرد على مزاعم داعش وتفنيدها، لكن لا يزال هذا الجهد قاصرا عن مجاراة التنظيم في قدرته الفائقة على نشر أفكاره الجهنمية.

لكن كل هذه الجهود لا تزال ضعيفة باهتة خجولة قاصيرة عن التصدي للتنظيم ما يقوم به من تسميم للمجال العام الإسلامي بأفكار خطيرة عى هذا النحو، تلقى هوى عند شباب غرير، لم يتلق من التعليم ما يؤهله إلى نقد ما يسمع ويقرأ.

إن مواجهة أفكار داعش تتطلب ابتداء غربلة تلك الكتب، والرد على ما فيها من مغالطات، وما تحويه من تصورات لم تعد مناسبة لزماننا هذا، الذي يتطلب أفكارا دينية مغايرة، قبل الانطلاق إلى الرد المباشر على ما أورده فقهاء داعش من أفكار في كتبهم المشار إليها سلفا.