الثلاثاء 6 ديسمبر 2016 / 14:39

حمائية وانعزالية في خطاب ترامب... دور أمريكا في العالم بخطر

24- زياد الأشقر

في مقال بصفحة الرأي في صحيفة واشنطن بوست، استشهد روبرت ج. سامولسن بقول وزير الخارجية الأمريكي سابقاً هنري كيسنجر في مقابلة مع مجلة ذا أتلانتيك أنه "للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، لا تبدو العلاقة المستقبلية بين أمريكا والعالم بالكامل مستقرة"، لافتاً إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تعهد إنشاء اقتصاد قومي، ووعد بجعل المصالح الأمريكية تحل "أولاً" في سياق صياغة سياسة تجارية. وإذا أوفى بهذه التعهدات- ويبدو أنه سيفعل- فإنه سيعيد تعريف الدور العالمي لأمريكا بطريقة مخيبة ومدمرة.

هناك مبالغة واسعة في دور التجارة في تدمير الوظائف الأمريكية

وقال: "ثمة مشكلة حقيقية هنا. إنها تتجاوز الإستئثار بالعنوان العريض الذي تمثل في نجاح ترامب الأسبوع الماضي في دفع شركة كارييرالتي تصنع مكيفات الهواء في التراجع عن قرارها بنقل 800 وظيفة إلى مكسيكو. والتاريخ يعني الكثير. إذ إنه منذ الحرب العالمية الثانية، باستثناء بعض الهفوات، فإن الزعماء الأمريكيين التزموا فكرة أن التجارة يمكن أن تعزز الإزدهار وتقوي المجتمعات الديموقراطية". ولفت إلى أن التجارة لا تعني فقط الإقتصادات، إنها تعني أيضاً الجيوسياسة. والأمريكيون الذين تحرروا من وهم الإنعزالية التي تلت الحرب العالمية الأولى تحولوا إلى عالميين بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يكن التأكيد على التجارة من أجل تعزيز الإزدهار فقط، لكنه كان يهدف أيضاً إلى ربط الأمم ببعضها بحيث تتنافس تجارياً ولا تلجأ إلى الحرب. وقد نجحت هذه الإستراتيجية إلى حد كبير. وبحماية أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين، أطلقت أوروبا الغربية واليابان انتعاشاً اقتصادياً قوياً عزز ديمقراطياتهم المتهادية. من هذا المنطلق، يرى سامولسن أن "ما جنيناه من التجارة المفتوحة كان، بالإضافة إلى الفوائد العادية على صعيد مزيد من خيار الإستهلاك والفاعلية الإقتصادية الأكبر، كان عالماً أكثر استقراراً في مرحلة ما بعد الحرب".

أهداف جيوسياسية ضبابية
وينطلق المنتقدون للسياسة الخارجية الداعمة للتجارة من ذريعة أنها "أخضعت المصالح الإقتصادية الأمريكية-من عمال وشركات- لأهداف جيوسياسية أكثر ضبابية". ويقول هؤلاء إن الحرب العالمية الثانية انتهت منذ سبعة عقود. ومن المؤكد أن بضعة عقود من المساعدات لمنافسينا كانت كافية، لا سيما عندما كانت الشركات الأمريكية هي المهيمنة خلال هذه السنوات. أما الآن فإن الإنحياز إلى التجارة يؤذي الشركات الأمريكية وينتج عجزاً مزمناً في ميزان التجارة الأمريكي.

تدمير الوظائف

ومن دون العودة إلى التاريخ، يقول سامولسن إن ترامب يأخذ بهذه النظرية. فخطاباته الخشبية تندد بانتظام بالإستيراد باعتباره مدمراً للوظائف ويخلق عجزاً تجارياً. وهو في هذا يلوم المفاوضين الأمريكيين غير الكفوئين الذين أفسحوا في المجال كثيراً أمام الوصول إلى السوق الأمريكية وتلقوا القليل في المقابل.

هل يمكن ان يكون محقاً؟، يجيب سامولسن: "إذا جردنا سرديته من البلاغة الزائدة، نرى أن فيها بعض المنطق. لكن ثمة أخطاء جرى إغفالها".

المكننة    
وللمبتدئين، يوضح أن هناك مبالغة واسعة في دور التجارة في تدمير الوظائف الأمريكية. بالطبع هناك الكثير من المصانع الأمريكية التي أقفلت، وانتقل انتاجها إلى الخارج (المكسيك والصين) أو جرى استبدالها بواردات من منافسين أجانب. لكن هذه الخسارات لا تفسر الإنحدار الحاد في وظائف التصنيع، التي انحفضت من 18 مليون وظيفة في 1990 إلى 12 مليون وظيفة في 2015، مع أن إنتاج المصانع تضاعف خلال هذه الفترة من تصنيع الطائرات إلى المواد الدوائية وشرائح الكومبيوترات. إن المكننة هي السبب الرئيسي.

 حيلة بلاغية أم...؟
ويخلص الكاتب إلى أن دعوة ترامب إلى اقتصاد قومي قد تكون حيلة بلاغية تهدف إلى تحسين موقعه التفاوضي، وربما هي ليست كذلك. لكن المضي في هذا المسار يوصل إلى الحمائية والإنعزالية ومزيد من النزاعات التجارية ويهدد النمو الإقتصادي، ومن شأنه إعادة تعريف دور أمريكا مع العالم.