الثلاثاء 6 ديسمبر 2016 / 14:40

مزيد من أسرار التعاون بين الأسد والإرهابيين

في الجزء الثالث والأخير من الملف الذي أعدّه لموقع الدايلي بيست الأمريكي، يسهب الباحث روي غاتمان في تفصيل التعاون والتنسيق بين الأسد وداعش، وكذلك "تواطؤ" النظام السوري في "الفظائع" التي فرضها التنظيم الإرهابي داخل سوريا. ففي ربيع 2012، دخل المئات من مقاتلي داعش إلى شرق سوريا من العراق تحت أعين الأجهزة الأمنية السورية.

إشارات لاسلكية لمسؤول عسكري سوري يقول لمقاتلي داعش إنه يجب عليهم أن يخلوا إحدى المناطق قبل السادسة صباحاً لأنه سيتم استهدافها بغارات جوية

سجن الأسد أكثر من ألف إرهابي، "فقط ليطلق سراحهم سنة 2011" عندما بدأ السوريون يتظاهرون ضد النظام

محمود النصر، منشقّ عن المخابرات السورية منذ أكتوبر(تشرين الأول) 2012، قال في مقابلة مع الموقع نفسه، إنّ النظام كان يصدر أوامر بقتل المتطرفين الذين كانوا يدخلون إلى سوريا، إلا أنه في الوقت نفسه، كان يبعث بمسؤولين كي يطلبوا "العكس تماماً". وشرح ما كانوا يقولونه لهم: "اِبتعدوا عنهم. لا تلمسوهم".

"الله وحده يعلم"
كان الجهاديون يصلون في مجموعات مؤلفة من ثلاثة أشخاص وأحياناً خمسة، قبل أن تصل أعدادهم إلى المئات لاحقاً: "كل واحد منهم بدأ يجلب أصدقاءه" بحسب النصر. رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني أوضح للدايلي بيست طبيعة العلاقة بين الأسد وداعش: "أحياناً هما حليفان. أحياناً هما عدوان". أمّا عن آفاق وأهداف هذه العلاقة فيقول: "الله وحده يعلم".

سجنهم ثم أطلق سراحهم
بحسب غاتمان، يعود التعاون بين الأسد وداعش إلى زمن الحرب على العراق. لقد سجن أكثر من ألف إرهابي، "فقط ليطلق سراحهم سنة 2011" عندما بدأ السوريون يتظاهرون ضد النظام. "العديد من هؤلاء هم قادة داعش اليوم". كان المسار العام للنظام هو تسهيل عمليات داعش مع اصطدامات "كافية" كي يستطيع الأسد القول إنه يحارب التنظيم. وهرّب داعش الأسلحة إلى العراق فيما لم تستهدف القوات السورية مواكبهم وهي في طريقها إلى هناك. المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية التي عملت على الملف السوري لأكثر من ست سنوات، كارن فون هيبل، قالت للموقع إنّ النظام "تجاهل" داعش في معظم الأحيان.

"خلق داعش"
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال في نوفمبر من العام الماضي إنّ النظام "خلق" داعش بعدما أطلق سراح 1500 متطرف ونوري المالكي أطلق سراح 1000 شخص منهم. وأضاف كيري أنّ الأسد أراد تخيير العالم بينه وبين الإرهابيين. سعيد الجياشي الذي كان عضواً حينذاك في مجلس الأمن القومي أشار إلى أنّ الأسد ساعد في تأمين الطريق التي سلكها الإرهابيون من سوريا لقتال الأمريكيين في العراق. ثمّ أضاف: "ونفس الطرقات كانت تُستخدم لجلب الإرهابيين إلى سوريا".

عَلِمَ بوجودهم لكن لم يستهدفهم
نبيل دندال الذي انشق عن النظام في يونيو 2012 قال إنّ الأسد علم في السنة نفسها أن الإرهابيين أتوا إلى سوريا وكانوا يتجولون في القرى وعلى الرغم من ذلك "لم يستهدفهم". وحصلت مواجهات قليلة بين الجيش السوري وداعش. فمع أن الأخير رفع أعلامه على المقرات الحكومية في الرقة، "لا طائرة سورية استهدفت تلك المواقع". وأنشأ داعش "دولة ضمن دولة" وأخذ يرسل أسلحة إلى أماكن كثيرة في العراق وسوريا. ثمّ شنّ حرباً ضد المعارضة المعتدلة وأعدم قادتها على مرأى العموم وعمد إلى تصفية آخرين.

مقاتلون داخل داعش متأكدون من "التعاون"
عصام النايف الذي كان مع فرقة لواء التوحيد ضمن الجيش الحر قال للموقع نفسه، إن فرقته اعترضت إشارات لاسلكية تدعو إلى ضرب قافلة عسكرية للمعارضة كانت تتوجه من منبج إلى الباب حيث قُتل 25 شخصاً من الثوار. أمّا مقاتلو داعش فلم يتم استهدافهم. وفي أواخر سنة 2013، بات سوريون كثر داخل داعش "مقتنعين" بأن التنظيم كان "يتعاون" مع النظام.

داعشي سابق يفضحه
في فيديو مطول منشور على اليوتيوب في مارس(آذار) 2014، أكّد رياض عيد، مقاتل سابق ضمن صفوف التنظيم، وقوف داعش متفرجاً أمام القوات النظامية وهي تحتل بلدة تلو بلدة من المعارضة المعتدلة في شمال سوريا. ويشدد عيد في الفيديو على أنه كلما ألحّ على المقاتلين في داعش كي يحاربوا قوات الأسد كان الجواب: "لا، لا، يا شيخ. هنالك مجاهدون بما فيه الكفاية لقتاله. هنالك جبهة النصرة، وهي كافية للقتال". وحين أوشكت السفيرة على السقوط في أكتوبر(تشرين الأول) 2013، كان 500 مقاتل من داعش "يتفرجون من بعيد ولا يقومون بأي شيء". وعندما أراد لواء التوحيد إرسال تعزيزات إلى المنطقة، قام داعش بمنعه تحت حجة "منع مساعدة الكفّار".

قوات الأسد كانت تعطي داعش الإحداثيات

غاتمان يؤكد في أكثر من مكان أن المواجهات المباشرة بين داعش والأسد كانت "قليلة نسبياً". وقال مسؤول تركي تمّت مقابلته في أنقرة أنهم التقطوا إشارات لاسلكية لمسؤول عسكري سوري يقول لمقاتلي داعش إنه يجب عليهم أن يخلوا إحدى المناطق قبل السادسة صباحاً لأنه سيتم استهدافها بغارات جوية. وكشف اعتراضٌ لاسلكيٌ آخر، اِقتراح أحد القادة ضمن النظام، مكافأة داعش "لتعاونه النشط". المسؤول التركي أضاف: "إذا نظرت إلى الديناميات، لم يقصف النظام مطلقاً منطقة يسيطر عليها التنظيم". فقط عندما يغادر داعش يقصف الأسد المواقع التي أخلاها، أو يأمر بقصف المناطق قبل أن يبدأ داعش هجومه.

هنا حصل الاجتماع ... والاتفاق
عندما قصف النظام الرقة في نوفمبر 2014 لم يُصِب أي هدف عسكري مهم لداعش، لكن قتل عشرات المدنيين. ولمّا هاجم داعش قواعد عسكرية تابعة للنظام، كانت قواته "بطيئة" في الاستجابة. أمّا حين أطبق داعش على تدمر في مايو(أيار) 2015، فقد أخلت قوات الأسد المكان "مقدّماً"، وتركت دفاعاً ضعيفاً وأسلحة حربية تسقط في أيدي التنظيم. وعُقد اجتماع بين النظام وممثلين عن داعش في بلدة الشدادي في 28 مايو داخل منشأة كبيرة لإنتاج الغاز. وبعدها أرسل التنظيم قوافل عسكرية إلى مارع شمال حلب، لقطع الدعم التركي عن المعارضة. هنالك أسقطت طائرات النظام حمولتها على مواقع المعارضة المعتدلة قبل أن يدخل مقاتلو التنظيم لاحتلالها. وذكر غاتمان أن مسؤولاً أمريكياً من وزارة الدفاع أكد التعاون في حديث للدايلي بيست: "حدث هذا أكثر من مرة".

صور حسية تؤكد ما قيل
في فبراير (شباط) الماضي، جمع الثوار صوراً حسية التقطتها طائرة بدون طيار حلقت فوق 50 كيلومتراً من خطوط التماس بين الأسد وداعش حيث لم يكن هناك أي تحصينات على الجهتين وأي آثار للصراع، بحسب المستشار القانوني للمعارضة السورية أسامة أبو زيد. وقال إنّ التنظيم يستمر في إرسال السيارات المفخخة ضد المعارضة المعتدلة لكن ليس ضدّ قوات النظام وحلفائه. وحين أنهى النظام، بالتعاون مع القوات الجوية الروسية، حصار الثوار لمدينتي النبل والزهراء، "لم يطلق داعش رصاصة".

يشير غاتمان إلى أنّ كثيرين يعتقدون أن التعاون بين الطرفين لن يستمرّ إلى الأبد. الديبلوماسي السابق بسام بارابندي الذي يعيش حالياً في واشنطن يقول: "يعلمان أنهما لا يستطيعان النجاة معاً، لكن قبل أن يصلا إلى الخطوة الأخيرة من الحرب، يجب عليهما قتل جميع المعتدلين".