المشتبه في تنفيذه الهجوم على الملهى الليلي في اسطنبول.(أرشيف)
المشتبه في تنفيذه الهجوم على الملهى الليلي في اسطنبول.(أرشيف)
الأربعاء 4 يناير 2017 / 19:09

الإرهابي ابنٌ بارٌّ لقرية التطرف!

كل من يستخدم المال العام للفساد سيركب الطائرة معي إلى مانيلا وسأرميه منها في الهواء، وقد فعلت ذلك من قبل

لفت نظري كتاب قرأت أنه سيصدر قريباً يحمل عنوان "تربية طفل تتطلب جهد قرية كاملة"، والكتاب يتحدث عن ضرورة أن يكون يكون الجهد جماعياً نحو النهوض وليس جهداً لمؤسسة واحدة، وأعتقد أن هذا العنوان يجيب على أهم سؤال نواجهه الآن وهو: "لماذا يظهر التطرف؟!". 

كتب أحدهم تغريدة عن الرئيس الفلبيني الذي قال للمسؤولين في حكومته: "كل من يستخدم المال العام للفساد سيركب الطائرة معي إلى مانيلا وسأرميه منها في الهواء، وقد فعلت ذلك من قبل". وجاءت التعليقات واصفة إياه بالبطل الذي يعمل ما يراه مناسباً من دون أن يلتفت لـ"حكاية" حقوق الإنسان.

فاللص ليس مكانه السجن بعد محاكمة عادلة ونزيهة، وإنما بمجرد ارتياب الرئيس الفلبيني بمسؤول في حكومته، يُصعده معه في طائرة هليكوبتر، ثم يتحدث معه عن الجنس والطعام، ثم فجأة يطلب منه أن ينظر للخارج حيث أسراب للطيور تمرّ إلى جانبهم، ويغافله بمهارة ويفتح الباب ويلقيه في الخارج. فهذا من البطولة في نظرنا، والعار كل العار أن تكون السُلطة مراعية لحقوق الإنسان، لأنها مجرد حكاية.

ونشرت إحدى الصحف حواراً مع حسين حريري بعنوان "لست إرهابياً بل سعيت للإفراج عن الأسرى"، مع مقدمة احتفائية تقول: "بعد سنة على عودته إلى النور ودفء الوطن، يروي حريري تفاصيل السنوات السبع عشرة الطويلة والثقيلة التي أمضاها في سجنه السويسري.."، وتكتشف أن الحوار مع إرهابي خطف طائرة فرنسية سنة 1987 واحتجز ركابها كرهائن للضغط على إسرائيل للإفراج عن معتقلين لبنانيين، وتكتشف أيضاً، من خلال الحوار الشيّق أيضاً، أنه تشجّع على خطف الطائرات بعد نجاح تجربة مماثلة قام بها خاطف طائرات آخر يدعى محمد علي حمادة.

وأنت تقرأ هذا الحوار تشعر بالفخر والاعتزاز بهذا العمل البطولي الذي أقدم عليه الإرهابي خاطف الطائرات ومحتجز المسافرين كرهائن، وهو نفسه تشجّع على هذا العمل العظيم بعد أن قرأ عن تجربة مماثلة لزميل له في الإرهاب، وافهم يا فهيم!

وفي اجتماع عائلي، كان قريب لي يتحدث مع ولده التلميذ في المدرسة، ولم أكن منتبهاً للحوار بينهما، لكن فجأة ارتفع صوت قريبي وهو يقول لولده: "إذا اعتدى عليك أحدٌ في المدرسة، وجّه إليه لكمات في وجهه، ولا تتوقف حتى ترى عينه ملقاة على الأرض!".

وهذا الأب بطبيعة الحال ضحية من ضحايا الجو العام الذي يحتفي بالقوة، وبالعنف، وبالسحق، وبفقء العيون، ورميها في أقرب زبالة، وباللجوء إلى القانون كآخر حل، وليس كأول وآخر حل، وببعض المقولات الخالدة من مثل: من يرشّني بالماء أرشّه بالدم! إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب!

وقبل سنوات قليلة شارك وزير العدل الأردني حسين مجلي في اعتصام دعا إليه نقابيون أمام مقر وزارة العدل في عمّان للمطالبة بالإفراج عن الجندي أحمد الدقامسة الذي قتل 7 طالبات إسرائيليات كنّ في زيارة للأردن عام 1997، ووصف الوزير الأردني، وهو محامٍ سابق، الدقامسة بالبطل وبأنه ما كان يجب أن يسجن أصلاً.
  
ولم يُسجن قاتل الطالبات فعلاً؟! ولم يعاقب الجندي الخائن لقسم الجندية؟! ولم يظل في السجن من ضرب بقوانين بلاده بعرض الحائط، وقرر من تلقاء نفسه إلغاء اتفاقية السلام مع بلد آخر؟! هذا ونحن أمام وزير في الحكومة، وليس رجل غاضب يجلس على كرسي في مقهى.

وأذكر في الأيام التي أعقبت الإطاحة بحكم طالبان في أفغانستان، وكنت أفرش جريدة على طاولتي في العمل حين وقف زميل خلفي وأخذ يقرأ عناوين الأخبار، ولفت نظره عنوان خبر حول مقتل عشرات الأفغان في تفجير لسينما كانت تعرض أفلاماً إباحية، فعلّق الزميل قائلاً: "يستحقون هؤلاء الهروم" (الأوغاد).

نعم، هكذا، من يشاهد الأفلام الإباحية يستحق القتل، ولو وقع شخص قد زنى بيد هذا الزميل، وكان قرار معاقبته بيده، لوضعه في ماكينة فرم اللحوم وأخرجه من الطرف الآخر على هيئة نقانق لذيذة.. فإذا كان جزاء من يشاهد فيلماً إباحياً القتل، فمن البديهي أن يكون جزاء مرتكب الزنى الفرم من دون رحمة.

وحين تضع كل تلك المواقف، ويمكن أن أسرد مثلها المئات وأقعد إلى الصباح أسرد، إلى جانب التهييج المستمر من قبل مشايخ التطرف، وقنوات التطرف، وبعض أساتذة الجامعات المتطرفين، ووووو، ثم تضع لكل هذا خلفية تراثية تمجد سحق الجماجم، وسبي النساء، والتترس بالأصدقاء لقتل الأعداء، ووووو.. ثم تسأل بعد كل هذا "من أين جاء التطرف!"، فالسؤال فعلاً يكون بلا معنى.

حين يظهر في مجتمع ما متطرف واحد، فيمكن القول إنه حالة شاذة ومجرد ضال، لكن لا يمكننا قول ذلك والمضي إلى شؤوننا إذا كنا أمام مجموعة من المتطرفين، ويجب أن نتوقف فعلاً إذا كنا أمام فئة متطرفة، وينبغي أن ندق ناقوس الخطر ونعلق الأجراس إذا كان التطرف ظاهرة، سواء كان تطرفاً لفظياً وفكرياً، أم تطرفاً متطوراً يأخذ شكل الاعتداء على الأرواح والممتلكات.

وإذا كانت تربية طفل واحد تتطلب جهد قرية كاملة، فوجود طفل واحد لم ينل حظاً من التربية؛ يعني أن القرية لم تبذل الجهد الكافي، فكيف إذا كنا أمام ظاهرة تطرف أخرجت الآلاف المؤلفة من المتطرفين وأضعاف أضعافهم من المتعاطفين معهم والمبررين لهم؟!