الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الخميس 12 يناير 2017 / 17:29

ثمة ما هو مفقود

المستقلون وأصحاب النوايا الحسنة أيضاً يمكن تسجيل وجودهم حول تلك الطاولة في بيروت

تتواصل اجتماعات الفصائل واللجنة التحضيرية المكلفة بالاعداد لاجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، الاجتماع الذي دعا اليه مؤتمر فتح السابع في المقاطعة ومنحه ثلاثة أشهر من تاريخ بيانه الختامي، الجميع، تقريباً، هناك في بيروت، بما فيها تلك الفصائل التي تحمل في جيناتها نزعة الانشقاق عن منظمة التحرير، كجزء من أدبياتها.

الحقيقة أن الجميع بحاجة للإيحاء بأنهم هناك، وهذا يشمل، للمرة الأولى، الفصائل الاسلامية التي وصلت متأخرة وبعد أكثر من ربع قرن على تأسيس منظمة التحرير. كل محاولات الانشقاق عن المنظمة، الجدول الطويل الذي نعرفه جميعاَ من منتصف سبعينيات القرن الماضي بمسمياته، جبهة الرفض، من يتذكر جبهة الرفض وملصقها الشهير المعلق على ابواب حوانيت بيروت ومخيم اليرموك وجدران الزواريب في مخيمات لبنان، الملصق الملون بألوان قوية تحيط بكلمة "لا" كبيرة تحتل ثلاثة أرباع المساحة. أو "جبهة الانقاذ" التي فككت فتح والمنظمة منطلقة من دمشق ثم نظمت، بدعم من نظام الأسد، حملة مطاردة لقوات "العاصفة" صعوداً من البقاع اللبناني نحو طرابلس، في استكمال واضح لمشروع تصفية المنظمة وحصار بيروت.

محاولات بناء البدائل من الخارج و"شيطنة" فتح وعرفات وصولاً إلى حصار المقاطعة واستشهاد ياسر عرفات، ثم استكمال كل ذلك بانقلاب حماس في غزة.
هواجس الهيمنة على المنظمة التي قادتها أجنحة متنفذة في "فتح" نفسها، ونزعة تفكيك الشركاء والتي أدت، فيما أدت اليه، الى هلهلة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وتحييده، ثم في مرحلة لاحقة إحلال "السلطة الوطنية" التي نشأت في أوسلو بديلاً عملياً له.
المستقلون وأصحاب النوايا الحسنة أيضاً يمكن تسجيل وجودهم حول تلك الطاولة في بيروت.

مبادرات الإصلاح و"استعادة الوحدة الوطنية"، التي يطرحها "اليسار المعتدل" عادة، حسب تسميته لنفسه، و "اليسار الانتهازي" حسب تسمية رفاقه "الجذريين". ثلاث مبادرات في الأقل، يمكن العثور عليها في ملفات المجتمعين، وفي البيان الذي أصدرته "اللجنة التحضيرية"، حيث تم زج كل شيء في الدعوة المعلنة لعقد المجلس الوطني، "المصالحة"، "الوحدة الوطنية"، "الاصلاح" و "الانتخابات". كل مواد الخطاب السياسي الفلسطيني جرى زجها في الحلم الوطني الذي أطلق عليه "عقد المجلس الوطني".

ورغم ذلك هناك ما هو مفقود.

داخل القاعة وداخل البيانات الصادرة منها وتصريحات المتحدثين، وهم طيف واسع يبدأ من حلفاء النظام السوري ولا ينتهي عند ممثلي حماس، الأشياء تبدو منجزة واللغة جامعة وثمة جدول مهمات أيضاً.
في الخارج، خارج القاعة وخارج اللغة المتينة للبيانات ونبرة المتحدثين ومبادراتهم، لا يأخذ الأمر المنحى المأمول، حتى بعد أن تم زج كل تلك المفردات والأهداف في بيان اللجنة التحضيرية، لم يحدث الأمر.
في رفح وخانيونس وغزة يتظاهر الناس ضد "مافيا الكهرباء" و"مافيا الغلاء" وأجهزة التسلط والقمع.
وفي الضفة الغربية يواصل الناس سعيهم في مواجهة الغلاء والفساد وهيمنة القطاع الخاص وتسلطه على مقدراتهم، بموازاة مواجهة الاستيطان ودوريات الاحتلال واغتيال الأولاد على الطرق والحواجز وفي أسرتهم. وفي مخيمات الشتات تتقدم لائحة الحقوق المدنية أجندة المطالب.

الهوة الواسعة التي نشأت عبر تجربة طويلة بين خطاب السلطة والفصائل والنخب السياسية، تواصل اتساعها وتقترب من القطيعة التامة.
لم يعد ممكناً استعادة "الثقة" المهدورة عبر عقود من العبث السياسي.

هناك ما هو مفقود.