الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (أرشيف)
الأحد 15 يناير 2017 / 18:56

ترامب ومشكلتان على عتبة البيت الأبيض

إشكالية العلاقة بين ترامب رجل الأعمال، وترامب الرئيس، تمثل مدخلاً للنيل منه، ويمكن أن تكون خلفية مثالية لتفسير الكثير من سياساته الداخلية والخارجية، والنيل من صلاحيته لمنصب الرئيس

حتى إذا وضعنا كل شيء آخر جانباً، فمن المؤكد أن ترامب يواجه مشكلتين عويصتين، وإن لم تؤد إحداهما أو كلتاهما إلى تقصير عمر ولايته الرئاسية، فإن فيهما ما يُلقي ظلالاً قاتمة، على أربع سنوات قادمة في البيت الأبيض. المشكلتان هما: العلاقة غير المفهومة، حتى الآن، بالروس، و"تضارب المصالح".

انفجرت المشكلتان في الآونة الأخيرة، ولا يملك أحد جواباً شافياً، في هذا الصدد، رغم أن أربعة أيام فقط تفصل بين ترامب والبيت الأبيض، في العشرين من يناير الجاري، بوصفه الرئيس 45 للولايات المتحدة.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالمشكلة الأولى، تصدّرت صدر الصفحات الأولى في الصحافة الأمريكية، والأوروبية، على مدار الأيام القليلة الماضية، تسريبات بشأن أشرطة صوّرها الروس في العام 2013 لترامب، خلال حضوره في موسكو حفلاً لملكات الجمال. ويُقال إن تلك الأشرطة فضائحية، ويستخدمها الروس في ابتزازه.

وحتى هذا الحد تبدو المشكلة بلا سند في الواقع، وقد تداولتها منابر إعلامية مختلفة دون أثر يُذكر، ولكن الكشف عن اسم عميل المخابرات البريطانية السابق كريستوف ستيل (اختفى عن الأنظار بعد الكشف عن اسمه)، أسهم في دفعها بقوّة إلى دائرة الضوء، وكشف الكثير من التفاصيل الغامضة.

ففي حُمّى التنافس والسباق على منصب مرشّح الجمهوريين للانتخابات الرئاسية، استعان خصوم ترامب، في الحزب نفسه، بشركة أمنية، وخبراء (كان ستيل أحدهم) للتنقيب في سيرة ترامب المهنية والشخصية، لعل فيها ما يحول دون فوزه في السباق. وبعدما أطاح ترامب بمنافسيه الجمهوريين، استعان الديمقراطيون بالشركة نفسها للحيلولة دون فوزه في الانتخابات الرئاسية.

وهنا يأتي دور ستيل، الذي يُعتبر خبيراً في الشؤون الروسية، ويحظى بسمعة مهنية عالية. وقد واظب على مدار الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية بتزويد الديمقراطيين بمعلومات خاصة عن ترامب.

وعندما اكتشف أن ما لديه من معلومات على قدر كبير من الخطورة، بدأ في تزويد المخابرات البريطانية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بتلك المعلومات، التي وصلت في نهاية الأمر إلى وكالة الاستخبارات المركزية والرئيس أوباما نفسه. ويتهم الديمقراطيون، في الوقت الحالي، مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتكتّم على المعلومات، وبدلاً من ذلك إثارة مشكلة الرسائل الإلكترونية الخاصة بهيلاري كلينتون خلال عملها كوزيرة للخارجية.

وفي سياق التدليل على جدية المعلومات التي قدّمها ستيل، فقد جاء في مذكرة أرسلها لكل المعنيين أن الروس طلبوا من فريق حملة ترامب الانتخابية التقليل من السياسة الروسية إزاء أوكرانيا. وبعد تقديم المذكرة بأربعة أيام تكلّم ترامب عن ضرورة الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

وإذا كان ثمة من خلاصة، في هذا الشأن، فمفادها أن موقف ترامب من بوتين، والسياسة الروسية، بصرف النظر عن الدوافع والمبررات، يمس عصباً نافراً في أوساط النخب السياسية والعسكرية والاقتصادية الأميركية الحاكمة. وبالتالي، سواء أكانت معلومات ستيل صحيحة أم ملفقة، فإن في مجرد الذهاب في الصراع على الموقف من روسيا إلى هذا الحد ما يعني أن سياسة ترامب أغضبت أطرافاً قوية وذات نفوذ في مؤسسات "الدولة الأمريكية العميقة"، وأن المعركة في هذا الشأن طويلة ومُعّقدة، وما تجلى منها حتى الآن يبدو مجرد نقلات افتتاحية.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالمشكلة الثانية، أي "تضارب المصالح"، فهي تخص ثروة ترامب، وشركاته، وصفقاته، وأعماله التجارية التي يصعب حصرها، ولا توجد معلومات كافية بشأنها. فقد رفض ترامب، مثلاً، خلال الحملة الانتخابية الإفصاح عن موقفه الضريبي.

وعلى الرغم من حقيقة أن القانون الأمريكي يعفي شاغل منصب الرئيس ونائبه من احتمال "تضارب المصالح"، إلا أن ثمة الكثير من الضوابط، التي تقيّد حصول الرئيس ونائبه على هدايا، ومنافع، والانخراط في مصالح شخصية، يمكن أن تشكّل خطراً على الأمن القومي، وتحد من قدرة الرئيس على القيام بمهام وظيفته.

وفي معرض الرد على هذا الأمر، ظهر ترامب في مؤتمر صحافي، وإلى جانبه ملفات كثيرة، قال إنه نقل بموجبها إدارة شركاته، وأعماله التجارية، لولديه، وموظفين آخرين، وأنه بصدد التفرّغ لوظيفته الرئاسية، ولكنه رفض الإفصاح عمّا في تلك الملفات، ورفض السماح للحاضرين بالاطلاع عليها. وذكر البعض أن بعض الملفات كان بلا عناوين، ومجرّد أوراق بيضاء.

ولا يهم، في الواقع، ما إذا كانت الملفات حقيقية أم مُلفقة. فترامب أوّل أمريكي يدخل البيت الأبيض، وفي رصيده هذا القدر الهائل من الثروة، ناهيك عن حقيقة أن "ذمته المالية" لا تحظي بصدقية عالية. وكان أحد مبررات التشكيك، في هذا الشأن، أن ترامب والقائمين على حملته الانتخابية ركّزوا كثيراً على مسألة إعفاء القانون الأمريكي لشاغل منصب الرئيس، ونائبه، من "تضارب المصالح"، وأهملوا التذكير بكل ما يتصّل بالضوابط التي نص عليها القانون وملحقاته.

وبهذا المعنى، أيضاً، وفي سياق الكلام عن خلاصة ما، فإن إشكالية العلاقة بين ترامب رجل الأعمال، وترامب الرئيس، تمثل مدخلاً للنيل منه، ويمكن أن تكون خلفية مثالية لتفسير الكثير من سياساته الداخلية والخارجية، والنيل من صلاحيته لمنصب الرئيس.

وعلى ضوء هذا، لا مجازفة في القول إن هاتين المشكلتين، وما سيتفرّع عنهما، ويضاف إليهما، من مشاكل، ستلاحق دونالد ترامب في البيت الأبيض، وإذا لم تُسهم في تقصير عمره الرئاسي، فستكون كافية لتنغيص الكثير من أيامه هناك.