سكان الموصل (أرشيف)
سكان الموصل (أرشيف)
الإثنين 16 يناير 2017 / 22:01

تحت حصار الحرب.. سكان الموصل يدفنون موتاهم كلما تيسر لهم ذلك

عندما سقطت 4 صواريخ على بيت أبو عبد الملك في شرق الموصل في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي لقيت زوجة أبيه (60 عاماً)، مصرعها على الفور، ولكن دفن جثتها حسب الأصول المعمول بها استغرق أكثر من شهر.

فقد كانت الاشتباكات في حي الزهور والمناطق المحيطة به شديدة للغاية خلال تلك الفترة، ولم تسمح بنقل الجثة إلى المقبرة الرئيسية في حي كوكجلي الذي يبعد 5 كيلومترات، ولذا قام أبو عبد الملك ووالده وشقيقه وابنه وابن أخيه بحفر حفرة غير عميقة تحت شجرة برتقال في حديقتهم على بعد خطوات فحسب من المكان الذي لفظت فيه أنفاسها الأخيرة ثم واروها التراب.

وقال أبو عبد الملك الأسبوع الماضي وهو يبين لصحافي كيف دمرت الصواريخ المطبخ وأشعلت النار في الأشجار، إن "أفراد الأسرة لم يستطيعوا التحرك لأنهم كانوا محاصرين وكان القناصة في كل مكان والجيش يتقدم، وطلب تعريفه فقط بكنيته لحماية أفراد العائلة في المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة تنظيم داعش".

ومع تقدم القوات العراقية عبر شرق الموصل في الهجوم الذي بدأ قبل 3 أشهر وتدعمه الولايات المتحدة لايزال سكان المدينة معرضين كما يقولون، لخطر سقوط قذائف المورتر أو الإصابة بطلقات الرصاص مما يطلقه مقاتلو التنظيم أثناء تقهقرهم.

ولجأ المدنيون الذين يعجزون عن الوصول إلى المقابر الرئيسية بالمدينة إلى دفن موتاهم في أي مكان يتيسر لهم فيه الدفن على الأقل حتى تبتعد الاشتباكات عن بيوتهم.

وقال أبو عبد الملك، إنه عندما استخرج جثة زوجة أبيه يوم السبت الماضي لإعادة دفنها بجوار أسلاف العائلة في مقبرة كوكجلي، وجد أن الجثة بدأت تتحلل وتفوح منها روائح تزكم الأنوف.

ويتوقع سكان في حي القادسية الثانية أن يفعلوا الشيء نفسه في الأسابيع المقبلة، ففي فناء مدرسة ابتدائية تبرز فوق سطح الأرض 8 أكوام مستطيلة من التراب، حيث دفن بعض السكان من المدنيين أصدقاء أو أقارب لقوا مصرعهم في مناطق استعادتها القوات المتقدمة من تنظيم داعش، ومن بين الموتى أحد السكان من كبار السن أصيب بأزمة قلبية وحالت الاشتباكات دون نقله إلى المستشفى.

وقال أحد سكان المنطقة، إنه دفن ابن عمه وابنيه في الأسبوع الماضي بعد أن قتل الـ3 في هجوم بالمورتر في حي الرفاق عندما خرجوا لشراء البيض، وطلب الرجل عدم نشر اسمه خشية الانتقام من ابنه الذي يعيش تحت حكم التنظيم في الشطر الغربي من الموصل الخاضع لسيطرة داعش الكاملة.

وتشير علامة على قطعة من الورق المقوى إلى قبر ابن عمه علي حسين بينما يوضح طلاء على الجدار الخرساني المجاور موقع دفن الآخرين، وقال الرجل "سننقلهم جميعاً بالطبع عندما ينتهي هذا الكابوس"، وبقيت حفرة 9 مكشوفة تنتظر فيما يبدو الضحية التالية من ضحايا الحرب.

دفن قتلى التنظيم
تعد حملة تحرير الموصل التي يشارك فيها تحالف قوامه 100 ألف مقاتل من القوات الحكومية العراقية والشرطة وقوات الأمن التركية وفصائل شيعية في الأساس هي أعقد معركة يشهدها العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وخلال الاشتباكات بقي أغلب السكان في المدينة الشمالية التي تعتبر آخر المعاقل الكبرى للدولة الإسلامية في البلاد وأكبر مركز عمراني تحت سيطرة التنظيم في الأراضي التي أعلن فيها قيام دولة الخلافة في العراق وسوريا.

وتسبب ذلك في تعقيد مهمة الجيش العراقي الذي يتعين عليه خوض المعارك بين 1.5 مليون مدني يعيشون في مناطق مكتظة بالسكان في مواجهة عدو استهدف المدنيين واختبأ رجاله فيما بينهم.

وبجوار مقبرة المدرسة الابتدائية في القادسية يقع حقل مكشوف قال سكان إنه شهد مواجهة ضارية وقعت العام الماضي بين القوات العراقية المتقدمة ومقاتلي التنظيم، وسقط السور الخارجي للمدرسة ولحقت أضرار جسيمة بمباني المدرسة من جراء الصواريخ والتفجيرات الانتحارية، وبعد أسابيع من الاشتباكات لا تزال بضع أجزاء متفحمة من جثث بادية للعيان.

ويقول سكان إنهم دفنوا نحو 6 من مقاتلي التنظيم في تلك الحفرة بعد أن بدأت جثثهم تتحلل في الشوارع قبل أسبوعين، ولا يوجد شاهد للقبر أو أي علامة توحي بما تخبئه الحفرة، وقال علاء مقداد مصطفى (35 عاماً) "طلبنا من الجيش التصرف في الجثث وطلبوا منا أن ندفنها ولذلك دفناها هنا".

وفي حي المحاربين يقول أحد كبار السن من السكان إن 3 جثث لقتلى التنظيم دفنت في أرض فضاء اعتاد السكان إلقاء القمامة فيها.