مبنى المخابرات السوفييتية السابقة كي جي بي وسط موسكو (أرشيف)
مبنى المخابرات السوفييتية السابقة كي جي بي وسط موسكو (أرشيف)
الإثنين 16 يناير 2017 / 23:56

تقرير: الكتيبة الأوزبكية ذراع روسية داخل داعش بعد القاعدة

سلط الهجوم الإرهابي الذي استهدف نادي ريينا الليلي في إسطنبول ليلة رأس السنة، والذي اتهم بارتكابه عنصر أوزبكي في صفوف داعش، الضوء على ما يُعرف بالكتيبة الأزبكية، التي ظلت إلى وقت قصير كتيبةً غامضةً ومجهولة، ولكن الصحافي الإيطالي الشهير دومينكو كويريكو، من صحيفة لاستامبا، والرهينة السابق في سوريا، كشف في تقرير نشره الإثنين، بعض التفاصيل الغامضة عن الأوزبك المنتمين إلى داعش.

في تقريره الذي خصصه للمقاتلين من الجنسية الأوزبكية في صفوف داعش، يقول كويريكو الذي اختطف في أغسطس(آب) 2013، بعد وصوله إلى سوريا بوقت قصير، إن خاطفيه سارعوا بوضعه على متن شاحنة خفيفة، بعد اختطافه في حلب، لتهريبه إلى منطقة بعيدة عن المدينة التي كانت تعج بالمقاتلين والجواسيس من كل الجنسيات، ورحلوا به بعيداً إلى الشرق من المدينة السورية الكبرى، في منطقة خاضعة لسيطرة عشرات المقاتلين الأوزبك.

خبير في المخابرات الروسية
وتميز الصحافي الإيطالي قبل أسره في سوريا بمسيرة حافلة، بالتحقيقات والتقارير الخاصة التي انفرد بها في بلاده وفي العالم عن بعض الجوانب المظلمة في الأنشطة الاستخباراتية الروسية، حتى أنه كان أول من تحدث عن دور المخابرات الروسية في دعم القاعدة وأنشطتها في آسيا الوسطى في منتصف التسعينات من القرن الماضي.

وفي تقريره الأخير يُشير الصحافي إلى شهادة أحد أكبر المسؤولين الروس المنشقين أيفغني ليماريف، عن دور مخابرات بلاده في اغتيال العملاء الروس الهاربين إلى الغرب بأسرارهم مثل العميل ليفتنكو الذي سُمم في لندن بالبولونيوم النووي، إلى جانب دور المخابرات الخارجية في دعم الحركات الإرهابية في آسيا الوسطى، مثل أوزباكستان لأهداف استراتيجية وسياسية معينة.

ويؤكد التقرير أن العلاقة بين الأوزبك والإرهاب ليست جديدة، ولكنها تعود إلى سنوات طويلة مضت بفضل أشهر قيادي إرهابي في المنطقة، العسكري السوفييتي السابق، في سلاح الجو جوما نامنغاني، ونائب أسامة بن لادن في أوزباكستان وطاجيكستان، وقرقيزستان.

من الجيش الأحمر إلى داعش
ويكشف الصحافي الإيطالي، أن نامنغاني واسمه الحقيقي جمعة باي خوجييف، المولود في فرغانة الأوزبكية، أشهر معاقل التشدد الديني في كامل منطقة آسيا الوسطى منذ سنوات حتى قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، كان من أبرز المقاتلين في صفوف طالبان الأفغانية ضد الولايات المتحدة في 2001، وتميز بمهاراته العسكرية والاستخباراتية، التي سمحت له بالإفلات من الجواسيس الأمريكيين من جهة، ومن جهة أخرى تأسيس قاعدة صلبة ومتينة من العلاقات التي امتدت من أفغانستان إلى باكستان إلى سوريا وصولاً إلى العراق، وانتهاءً بالدائرة الضيقة التي جمعته بأبوبكر البغدادي من جهة، وبعشرات القيادات العسكرية العراقية السابقة الموالية لصدام، والتي سبق له التعامل معها عندما كان عسكرياً بارزاً في الجيش الأحمر السوفييتي قبل انهيار الاتحاد الشيوعي السابق.

وحسب التقرير فإن بداية نامنغاني الفعلية في عالم الإرهاب، بدأت بعد تدريبه في وحدة سرية سوفييتيه خاصةً، منذ 1987، في مركز مكافحة الإرهاب المعروف باسم بالاشيكا 2 التابع لجهاز العمليات الخاصة في كي جي بي السابق، ثم التحق الأوزبكي بأفغانستان في آخر الحرب بين الاتحاد السوفييتي والقوات المناهضة للاحتلال الروسي، وبعد نهاية الحرب عاد إلى أوزباكستان لمقاتلة نظام الرئيس كاريموف في إطار ما أسماه الصحافي الإيطالي بالحرب من أجل النفط والغاز في آسيا الوسطى.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عاد نامنغاني إلى الأضواء ولكن في صفوف الحركات الإرهابية التي انتشرت في المنطقة بداية من 1992، وذلك بعد فترة طويلة قضاها في روسيا لم يتسرب عنها الشيء الكثير، سوى تشكيله مجموعة من التنظيمات الإرهابية والمتشددة في أكثر من بلد مثل الحركة الإسلامية في أوزباكستان- إيمو، مع إرهابي شهير آخر، يولداشيف ثوير، وهو التنظيم نفسه الذي تحول لاحقاً إلى ما يعرف بالكتيبة الأوزبكية في صفوف داعش، والذي ينتمي إليه منفذ الهجوم على ملهى اسطنبول.
 
مقرب من بن لادن
ولكن المهم حسب التقرير، أن نامنغاني أصبح في أواخر سنة 2000 أحد أبرز المقربين من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وأحد أهم الإرهابيين في آسيا الوسطى بفضل القوة العسكرية التي توفرت له بعد لحاق أكثر من 4 مقاتل من الأوزبك، والشيشان، والأويغور، وبفضل التبرعات التي تدفقت على تنظيمه من بعض المحسنين العرب، ومن روسيا أيضاً على مستوى التدريب والدعم اللوجستي والعسكري والمالي أيضاً، قبل أن يلحق بالتحالف الذي تشكل بين بن لادن وحركة طالبان، بعد 11 سبتمبر( أيلول) 2001.

ويُضيف صاحب التقرير أن نامنغاني اختفى في بداية الغزو الأمريكي بعد غارة شنتها قوات خاصة أمريكية على معقله في مدينة قندوز، ورغم تأكيد مقتله إلا أن جهات كثيرة تُشكك في هذه الرواية خاصةً بعد تبخر جثته، وفي ظل تأكيد جهات استخباراتية أخرى أنه كان يتمتع وربما لا يزال بدعم الأجهزة السرية الروسية.

وفي هذا السياق يؤكد الصحافي الإيطالي أن نامنغاني وقع في كمين في طاجيكستان في منطقة منعزلة مع عدد من أتباعه، وكانت القوات النظامية تستعد لاعتقاله حياً، وقبل وصولها إلى مكانه، حلت قوات خاصة روسية من "سبيتناتز" القناصة الشهيرة، التي سارعت بتطويق المنطقة واستخراج الإرهابي المطلوب وسط ذهول القوات الطاجيكية وشللها التام.

وبعد عرض بعض المراحل التي عرفت عن مسيرة القيادي الأوزبكي، وتدريبه فرق النخبة السوفييتية ثم الروسية، والدعم الذي حصل عليه من قبل جهازي كي جي بي، وخلفه جهاز إف إس بي، يتساءل الصحافي الإيطالي عن العلاقة المحتملة بين بعض الأجهزة السرية الروسية، وداعش.

حروب الشرق الأوسط
وفي هذا السياق، يقول كويريكو، رغم أنه يبدو من الوهلة أن الأمر غير وارد، بما أن "روسيا حليف بشار الأسد الرئيسي في حربه، وترتبط اليوم على الأقل بعلاقات جيدة مع تركيا، المتضررة من هجوم ليلة رأس السنة، ولكن الغارات الروسية اقتصرت على دعم النظام في المناطق الغربية، لمساعدته على بسط سلطته عليها، ولكنها لم تتعرض إلى المناطق الخاضعة لتنظيم داعش، رغم تأكيد الروس العكس".

ويُضيف الكاتب "إن الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، تنتشر مثل الوباء في المنطقة، بلا منطق، أو عقلانية، وفي أغلب الأحيان نجد أنفسنا عند محاولة الإمساك بخيوطها نطارد أوهاماً وأشباحاً، ولا نعرف من الحقائق إلا ما ظهر منها، لتبقى الحروب الدائرة في الشرق الأوسط، أشبه بالآبار بلا قاعٍ، وتحتمل ظواهر الأمور فيها، أكثر من حقيقة واحدة، أو اثنتين أو ثلاثاً".