الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (أرشيف)
الثلاثاء 17 يناير 2017 / 10:13

الدبلوماسية الفكرية

المصري اليوم - أحمد المسلماني

لا يجب أن تكون السياحة بديلاً عن السياسة، ومن غير المناسب أن يُغادر من يشاء في أية رحلةٍ بمجرد أن يجد الرُّعاة، ثم يزعم أنه يمارس "الدبلوماسية الشعبية" للصالح العام.

لقد أدّت ما تُسمّى "الدبلوماسية الشعبية" دوراً مّا وقت تدهور مؤسسات الدولة، وارتباك العلاقات المصرية الخارجية، ولم يعد مناسباً اعتمادها آليةً دائمةً في إطار تحقيق أهداف الدولة المصرية، والأنسب وضع نهاية "الدبلوماسية الشعبية" وتدشين بداية "الدبلوماسية الفكرية".

أعنى بمصطلح "الدبلوماسية الفكرية" قيام المجتمع العلمي والبحثي المصري، من الجامعات ومراكز الدراسات والمؤسسات الفكرية، بدورٍ دائمٍ لدعم السياسة الخارجية.

إن القنوات الرسمية وحدها لا تكفي، وتحتاج بلادنا إلى كل جهدٍ من أجل تصحيح صورتِنا وحماية مصالحنا، ومن الضروري أن تنطلق "القنوات غير الرسمية" على أساس علمي مدروس، وفي إطار منهج شامل للأمن القومي.

لم تعد السياسة الخارجية بالأمر اليسير، ولم تعد الأزمات الإقليمية والدولية بالمشكلات الواضحة الملامح أو سهلة الحلّ، ولا تستطيع السلطة الرسمية وحدها التعامل مع كل هذا الكمّ الهائل من الكثبان الرمليّة المتحركة، دون دعم من المجتمع الفكري الذي عليه أن يتقدم للمبادرة والمساعدة.

إن وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة في واشنطن، يفرض ضرورة الإسراع بـ"الدبلوماسية الفكرية"، ذلك أن تبسيط المشهد السياسي الأمريكي في مجرّد أن ترامب يدعمنا في معركة الإرهاب لا يناسب دقّة اللحظة ولا خطورة المشهد، ومن الممكن أن يساندنا ترامب في مكافحة الإرهاب، ثم يفاجئنا بالهجوم على الدين الإسلامي أو عموم المسلمين، أو أن يصدر تصريحات ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة ثم يعقبها بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أو أن يتحدث عن التعاون مع العالم العربي ثم يعلن "معركة وجودية" مع السعودية.

الأمر ذاته مع روسيا وأوروبا، ومع تركيا وإيران، حيث تتشابك القضايا وتتعقد الملفات، بحيث نجد أنفسنا مع تركيا في موقعٍ وضدّها في موقعٍ آخر، أو نجد أنفسنا مع إيران في معركة وضدها في معارك أخرى.

لقد حضرت لقاء نخبوياً قبل أيام واستمعت لأساتذتنا في العلوم السياسية، الدكتور على الدين هلال والدكتور مصطفى الفقي، وثار النقاش حول قضايا عديدة، ووجدنا حجم الصعوبة التي باتت عليها عملية صنع السياسة الخارجية.

الأمر يتطلب على ذلك إطلاق موجة واسعة من "الدبلوماسية الفكرية"، أن يذهب كبار الأكاديميين والمفكرين والمتخصصين إلى واشنطن للاستماع والشرح، أن يغادر خبراء وباحثو مراكز الدراسات في وفودٍ منظّمة إلى الغرب والشرق، لمعرفة ما الذي يجرى في العالم؟ وما الذي يمكن عمله في هذا العالم؟.

ليس من المناسب أن يبقى علم السياسة أسير قاعاتِ الدرس والبحث، أو أن يبقى الأكاديميون والمثقفون أسرى أوراق الترقية أو البرامج المسائية، دون أن يتحوّل العلم إلى منهج، والفكر إلى سياسة، والنظرية إلى حركة.

لقد أدت "الدبلوماسية الشعبية" دوراً فيما مضى، ولم يعُد مناسباً أن تربك الخطى في عالم مضطرب، لاسيما مع استقرار وقوة الدولة المصرية.
حان الدور على الدبلوماسية الفكرية، أنْ تضطِلع النخبة بمهامها من أجل بلادنا، وأن تصيغ وجهاً علميّاً راقياً، وأن تضَعُ صورة بلادنِا حيث يجب أن تكون، على مستوى السياسة والحضارة.