متظاهرون سوريون يحملون لافتة كتب فيها :الشعب يريج إسقاط النظام.(أرشيف)
متظاهرون سوريون يحملون لافتة كتب فيها :الشعب يريج إسقاط النظام.(أرشيف)
الثلاثاء 17 يناير 2017 / 19:36

"جمعة ترامب" والهيئة الناخبة للثورة السورية

سيواصل من تبقى من السوريين على قيد الإرادة رفع صوتهم، في كل يوم لا تطير فيه الطائرات، ليرددوا "الشعب يريد إسقاط النظام"، النظام في سوريا، والنظام في أمريكا، دون سلاح سوى "الإرادة المتفائلة"

تقول بديهيات "الثورة المقارنة" إن ثورة تُغلق الباب على نفسها، ولا تهتم بمصير ثورة عادلة على نظام فاسد في أقصى الشرق، أو الغرب، ستُؤكل عاجلاً، على غرار "أُكلتُ يوم آًكل الثور الأبيض". وبالقياس، ديمقراطية تحتفل بإنجازاتها هنا، وتدعم الديكتاتوريات في كل مكان، سيكون مصيرها الآجل، ربما، أن تنطفئ وتأفل، فعمر الزمان أكثر بكثير من ست سنوات، وأكثر بكثير من عمر رئاستي أوباما، ورئاسة ترامب وشيكة البدء.

الزمن يتقدم بالثورة السورية، وبثورات الربيع العربي، ولن يرتد. كما أن التاريخ لا يكرر نفسه، فلا الديكتاتوريات تستنسخ نفسها، ولا الثورات، ولا الديمقراطيات الراسخة. فنسخة الديمقراطية الأمريكية لزمن ما بعد الاستقلال لن تكون صالحة بعد قرون من ذلك التاريخ حتى بالنسبة للداخل الأمريكي.

وثورة لم تنجز نفسها، بعدُ، تشبه ديمقراطية تتكلم باسم الجماهير الشعبية وتنفذ مسودة تعاكس مصلحة تلك الجماهير؛ الثورة هنا ثورة السوريين اليتيمة، وتلك الديمقراطية هي الديموقراطية الأمريكية التي تصعد هذه المرة برجل أعمال، خلافاً للمعتاد عندما كان رجال الأعمال يرفعون ظلاً يمثلهم.

 فالديمقراطيات الغربية، عموماً، ينتخبها الدولار، أو أي عملة ديمقراطية أخرى، مما يُدعى في الأدبيات الرأسمالية بـ"الأرجل الخفية"، في مقاربة لرشد السوق الرأسمالية التي تخلق التوازن بين الطلب والعرض بواسطة "اليد الخفية".

يصادف حفل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، تاريخ 20 يناير الجاري، في يوم جمعة. والجمعة في عُرف الثورات العربية كانت رمزاً متفائلاً بإسقاط الديكتاتوريات، على عكس ما سيجري في واشنطن بعد أيام من تنصيب رئيس منتخب بآلية ديمقراطية معقدة ومعتلة تخلط بين الأصوات الجماهيرية وأصوات ما يسمى الهيئة الناخبة، حيث تغلب الأخيرة أصوات ملايين الجماهير. وبطريقة ما، ستُنصِّب أمريكا ديكتاتوراً على العالم، وليس عليها فقط، في يوم الجمعة الرمزي للعالم القديم، الإسلامي.

فاز ترامب بأصوات الهيئة الناخبة، ليغلب هيلاري كلينتون، كما فاز جورج بوش الابن في ولايته الأولى غالباً آل غور، بأصوات الهيئة، على الرغم من فوز الأخير، وكلينتون، بالأصوات الشعبية، وبفارق ملايين الأصوات.

وخلال سنوات من عمر الثورات العربية، التي أكملت ست سنوات في تونس ومصر، وكادت في ليبيا واليمن وسوريا، لم تُفلح الأصوات الشعبية في إسقاط الديكتاتوريات، أو ترجيح بداية للتغيير، في أي "جمعة" من جمعات سنة 2011، في سوريا مثلاً، ولا في السنوات التالية، حتى بعد تحول الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة.

ولسوء الحظ، "الهيئات الناخبة" المرجحة لفوز الثورة السورية ليست سورية، وليست سياسية ديمقراطية، لا في أمريكا، ولا في أوروبا، ولا في روسيا، ولا في الأمم المتحدة الموظفة المطيعة عند هؤلاء الأقوياء.

لكن، ولحسن الحظ، لم تسقط الجماهير، ولايزال النفس الثوري يتردد واهناً هنا، ومتفائلاً بالإرادة هناك.

والأرجل الخفية، والأيدي الخفية، التي لعبت بالسوريين أكثر من أن تُعد خلال ست سنوات. نستدل، هنا، عليها من آثارها، وفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة في 1 ديسمبر (كانون الأول) الماضي:

ــ 50% من السوريين اضطروا إلى النزوح عن منازلهم.

ــ أكثر من 4 ملايين في حاجة إلى إيواء عاجل.

ــ 13.5 مليون سوري في حاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم نحو 6 ملايين طفل، ونحو مليون عجوز.

ــ نحو 5 ملايين في حاجة إلى مساعدات إنسانية في مناطق محاصرة، أو يصعب الوصول إليها.

ــ أكثر من 6 ملايين مشرد داخل سوريا.

ــ أكثر من ستة آلاف مشرد كل يوم في المدة من يناير (كانون الثاني) إلى أغسطس (آب) 2016.

ــ 85% من إجمالي الشعب السوري يعيشون في فقر (69% منهم في فقر حاد، ونحو 35% منهم في فقر مدقع).

ــ أكثر من 7 ملايين سوري ضحايا انعدام الأمن الغذائي.

ــ نحو 13 مليون في حاجة إلى رعاية صحية عاجلة.

ــ نحو مليوني طفل خارج المدارس.

ــ أكثر من 30 ألفاً كل شهر ضحايا للصدمات النفسية والذهنية.

ــ نحو 300 ألف لاجئ فلسطيني سوري اضطروا لـ"النزوح" داخل سوريا، ونحو 79 ألف لجؤوا إلى أوروبا حتى منتصف 2016.

في "جمعة ترامب"، الأمريكية، سيرتد عدد المحتفلين بتنصيب الرئيس الجديد من الرقم القياسي الذي رافق تنصيب أوباما في 2009، مع 1.8 مليون حضروا التنصيب في واشنطن. وعلى الأغلب سيمثل الحضور الهيئة الناخبة التي رفعت ترامب بأقدامها إلى سدة الرئاسة، ليرفع ترامب إصبعاً في وجه من صوتوا لهيلاري كلينتون، كما "رفعه" أوباما طيلة 8 سنوات عجاف في وجه جُمعات السوريين.

وإلى أن تثبت البديهية المؤشرة إلى أن المؤسسات ستستمر في حكم أمريكا، والعالم، وأن ترامب لن ينقلب على مؤسسات أمريكا، بعدما أغرى الناخبين بالميل إليه بضغطه على الشركات الكبرى كي تستثمر في أمريكا، وليس في المكسيك، مثلاً، سيواصل من تبقى من السوريين على قيد الإرادة رفع صوتهم، في كل يوم لا تطير فيه الطائرات، ليرددوا "الشعب يريد إسقاط النظام"، النظام في سوريا، والنظام في أمريكا، دون سلاح سوى "الإرادة المتفائلة".

بالطبع، هنالك من يدعي أن ترامب هو ثورة في حد ذاته، فالرجل الجلف، سليط اللسان، وصاحب الفضائح الجنسية، وصل إلى الرئاسة لينظف أمريكا من المنافقين. وحتى إذا أثبتت الأيام المقبلة ذلك، ونظف ترامب أمريكا من النفاق، فإنه لن يهتم للسوريين، إن لم يسعَ لتثبيت الديكتاتور، صديق صديقه بوتين.

فجمعة ترامب ليست جمعة جديدة للسوريين.