الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الأربعاء 18 يناير 2017 / 18:12

أردوغان وقاعدته و... التعليم

صدام أردوغان والإرهاب الداعشي يشير إلى انشقاق داخل تركيبة النظام نفسها وداخل الجمهور العريض المؤيد لـ "حزب العدالة والتنمية" الحاكم

هذه المرّة، وُجّهت الضربة الأردوغانيّة إلى التعليم: تهميش كمال أتاتورك في الكتب المدرسيّة والامتناع عن تدريس داروين ونظريّة "النشوء والارتقاء".

وليس من المبالغة القول إنّ الخطوة هذه موجّهة إلى جمهور أردوغان، بهدف إرضائه. فقد سبق لكتاب ومعلقين كثيرين أن تناولوا السياسات المتناقضة للرئيس التركيّ، والتي أدت به إلى الخلاف مع بعض أبرز أركان حزبه كعبد الله غُل وداوود أوغلو، فضلاً عن النزاع القاتل مع حليف سابق هو الداعية فتح الله غولن.

فأردوغان عرف أطواراً وأمزجة بالغة التنافر حيال كل من بشار الأسد وحزب العمال الكردستاني وغولن وأوروبا وحلف الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة وروسيا. لكن المشكلة الراهنة التي نجمت عن تناقضات سياساته السورية، وبالتالي تناقضات سياسته حيال إرهاب "داعش"، أكبر من كلّ ما عداها، ويُرجّح أن يتجاوز أثرها على أردوغان كلّ أثر سلبيّ سابق.

والمقصود هنا لا ينحصر في الأكلاف الباهظة التي يرتبها الإرهاب، وقد شهدنا بعض جرائمه في الأيام الأخيرة الماضية. وهو ما قد يزيده استفحالاً تضافر الإرهاب الداعشيّ والإرهاب الكرديّ.
ذاك أن الأمر في شقّه السياسي يهدد بما هو أخطر من انقلاب كذاك الذي فشلت محاولته قبل أشهر، واتّهمت السلطة الداعية غولن به.

والحال أن صدام أردوغان والإرهاب الداعشي يشير إلى انشقاق داخل تركيبة النظام نفسها وداخل الجمهور العريض المؤيد لـ "حزب العدالة والتنمية" الحاكم. وقد كان ذا دلالة أن تحصل العمليّة الإرهابيّة ليلة رأس السنة، في الملهى الليليّ بإسطنبول، بعد حملة دعائيّة وإعلاميّة، على وسائل التواصل الاجتماعيّ خصوصاً، شنّها ناشطو الحزب الحاكم ضدّ الاحتفال بـ "أعياد المسيحيّين". وهكذا فقمع الإرهاب الداعشيّ، الذي يترافق مع تزايد الودّ حيال روسيا – بوتين، والذي قد يمهد لتغيّر يطال الموقف من النزاع السوريّ، لن تستقبله قاعدة إردوغان استقبالاً حسناً وإيجابيّاً.

وقد يصحّ هنا في أردوغان ما سبق أن رأيناه في حالات تحوّل كثيرة عن سياسات سابقة. فالجنرال ديغولبانتقاله من داعية استعماريّ إلى مؤيّد لاستقلال الجزائر، تعرّض لمحاولتي انقلاب واغتيال كادتا تقضيان عليه وعلى جمهوريّته. ورئيس الحكومة الإسرائيليّ الراحل رابين دفع حياته ثمناً لتوقيعه اتفاقيّة أوسلو في 1993.

أمّا حيال الإسلاميين تحديداً، وما بين مصر السادات وباكستان بنازير بوتو، فتُعلّمنا التجارب الكثيرة كم كان الانتقال من رعايتهم إلى مصادمتهم مكلفاً.
وما من شكّ في أنّ قطاعات كثيرة في "حزب العدالة والتنمية" ستحتفظ بولائها لأردوغان، الذي حوّل مؤخّراً النظام السياسيّ إلى نظام رئاسيّ يتيح له البقاء في سدّة الرئاسة حتّى 2029. وهذه القطاعات الأكثر اعتدالاً هي صاحبة المصالح التجاريّة التي تتطلّب الأمن والهدوء بقدر ما تتعارض مع الإرهاب. إلاّ أنّ قطاعات أخرى في بيئة الحزب، أفقر وأشدّ ريفيّة وأقلّ تعلّماً، استثمر إردوغان فيها وفي إحباطها، لا سيّما مع سحق المحاولة الانقلابيّة، هي التي ستجد نفسها في تعارض مع السياسات الأخيرة، خصوصاً وأنّ "قتل المسلمين" إنّما يتماشى مع "مراضاة المسيحيّين" والتقارب مع روسيا التي تُعدّ العدوّ التقليديّ والتاريخيّ لتركيّا وحساسيّتها الدينيّة-القوميّة.

فإذا انضاف هذا الانكسار في البيئة الشعبيّة والشعبويّة الداعمة لأردوغان إلى القائمة الطويلة لأعدائه، من ديمقراطيّين وعلمانيّين يعتبرون أنّه يسوق البلاد في منحى ديكتاتوريّ معطّل للحريّات، إلى أكراد، وعلويّين، وأنصار لغولن، وعسكريّين متضرّرين من أعمال التطهير المتلاحقة والعميقة التي أنزلها بمؤسّسات الجيش والأمن... أمكن القول إن الرئيس التركيّ لا يُحسد على وضعه الراهن. ويُشك كثيراً في أن يستطيع بوتين حماية صديقه القديم – الجديد ضدّ هذه القوى والفئات التركيّة جميعها.
أغلب الظنّ أنّ الرشوة التعليميّة تندرج في الإطار هذا.