رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق برهان غليون.(أرشيف)
رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق برهان غليون.(أرشيف)
الخميس 19 يناير 2017 / 20:02

موسم العودة إلى حضن النظام ونقد المعارضة السورية

الانشقاق الآخر، إن جاز التعبير، هو ما يجري هذه الأيام بمبادرة من أعضاء في الائتلاف، بعد صدور ورقة مراجعة ونقد لأداء المعارضة،

في منتصف 2011 بدأت موجة الانشقاق عن جيش النظام، تلتها موجة انشقاق موظفين كبار ودبلوماسيين، وعاملين في مؤسسات الدولة.هؤلاء غادروا حضن الوطن، ومنهم من قفز من قارب شارف على الغرق، على اعتبار أن سفينة النظام كانت توشك على الغرق حسب معطيات تلك الأيام.

المقابل لذلك، اليوم، هو موسم العودة إلى حضن الوطن، مثلما حصل مع العميد مصطفى الشيخ، ونواف البشير، وكلاهما كانا يحسبان على الطبقة الأولى من مؤسسات المعارضة المستدفئة بدعم الداعمين وحضن "أصدقاء سوريا"، على العموم.

من يراجع، أو يستذكر، تصريحات الرجلين، يدرك أي هشاشة سياسية وعسكرية حفلت بها سيرة الرجلين، بل سيرة الجانبين السياسي والعسكري لـ"مؤسسات المعارضة"، حيث يقول هذان، وغيرهما، الشيء ونقيضه بين فترة وأخرى، ما يدل على عدم وجود مرجعية أو قيادة تضبط العمل السياسي، أو العسكري، فالشيخ أحد قادة الجيش الحر الذي كان يدعي أنه على اتصال بالداعمين، وأنه مسؤول عن تسليم الأسلحة للثوار حتى عام 2014. أما البشير فهو عضو سابق في الهيئة السياسية في الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، أي من صانعي السياسة، وليس مجرد ممثل لفئة، أو مدينة، أو تيار.

هذا يفتح باب الشك حول ما إذا كان انشقاق هؤلاء حقيقياً في الأصل، ولم يكونوا طابوراً خامساً مدسوساً لاختراق المعارضة وإفشاء المعلومات على الأقل، أو لخلخلة صفوف المعارضة بشكل مباشر. هذا الشك ثبت مع عودة شخصيات أقل فاعلية وشهرة من هذين، ولابد أن النظام تحصل منهم على معلومات مجمعة عند عودتهم إلى حضنه، إن لم يكن حصل على تلك المعلومات بشكل متواتر منذ الانشقاق المدبر.

في الأصل، يشبه قرار الثورة الفردي سباق ماراثون، لا ينفع معه أن تقطع نصف المسافة، فنصف طريق لا تؤدي إلى مكان. ومن عاد إلى "حضن الوطن" سيبدأ بسباق جديد لن يؤدي به إلى مكان، فالنظام لن يثق بهؤلاء أصلاً، وفي الغالب الأعم سيكونون أقل من بيادق فور انتهاء العرض الإعلامي، هذا إذا لم يتدبر لهم النظام نهاية مؤسفة على طريقته المعروفة والمجربة.

وللأسف، لا يوجد ما يدل على أن قرار الثورة كان جماعياً، بمعنى أن هنالك قيادة خططت للثورة، وجيشت الجماهير ونظمتها، حتى لو كانت هذه القيادة غير سورية. بل العكس هو الثابت، فالجماهير هي من قادت نفسها بنفسها حلال عامي 2011 - 2012، وكانت "النخب" الفكرية والسياسية تابعة، واستطاعت التسلق على قطار الثورة فتصدرت على الإعلام.

وفي بدايات تكوين المجلس الوطني، شكلت وسائل التواصل الاجتماعي نوعاً من صناديق اقتراع دعمت أعضاء في "إعلان دمشق"، وشخصيات منتمية إلى حزب الإخوان المسلمين. الأداء اللاحق لهؤلاء أحرق حتى شخصيات كانت معتبرة، بمن فيهم برهان غليون. ولاحقاً، لم يعد لأي شخصية أي حصانة على صفحات التواصل الاجتماعي، حتى تجاوزت الاتهامات المرسلة إلى الشرف، والأعراض، وليس الذمة المالية فقط.
وعلى مدى السنوات، لايزال مفصل انتقال الثورة من سلمية إلى مسلحة يثير الجدل. فمؤيدو التسلح متهمون بإفراغ الثورة من مضمونها السلمي بعد أول سبعة شهور من عمرها. أما المناهضون لتسلح الثورة فلا يستطيعون الإجابة على سؤال: هل كانت الثورة ستستمر لو لم تتسلح، وإلى متى؟ كما لا يستطيع المؤيدون للتسلح الإجابة على سؤال: متى بدأ تسلح الثورة؟ وهنالك من يدعي أن السلاح ظهر في حي القدم في دمشق في نيسان من عام 2011، والمقصود هنا مسدسات واجه بها بعض الأهالي إطلاق النار العشوائي من قبل مخابرات النظام على المتظاهرين السلميين.
على كل حال، لا نستبعد أن النظام دس هؤلاء المسلحين لإثبات دعايته المبكرة ضد الثورة بأنها ثورة مخربين وطائفيين.

الانشقاق الآخر، إن جاز التعبير، هو ما يجري هذه الأيام بمبادرة من أعضاء في الائتلاف، بعد صدور ورقة مراجعة ونقد لأداء المعارضة، حيث أعلن كل من فايز سارة، وميشيل كيلو، ونغم الغادري، وخطيب بدلة، وسمير النشار، استقالاتهم من الائتلاف، دون ما يشير إلى إمكانية عودتهم عن الاستقالة هذه المرة.

هؤلاء، بالتأكيد، ليسوا من جماعة "العودة إلى حضن الوطن"، فالتوقعات تؤشر إلى بداية تحضير لتأسيس جسم سياسي بديل من الائتلاف، دون الانقلاب عليه بما تعنيه الكلمة، حيث أعلن فايز سارة أن استقالته إعلان عن يأسه من إصلاح الائتلاف من داخله، بعد محاولات استغرقت أكثر من ثلاث سنوات ونصف.

المؤشرات يمكن الاطلاع عليها من ورقة "وجهة نظر نقدية لتصحيح مسارات الثورة السورية"، المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي، وموقع "أفاز"، للتوقيع عليها. إضافة إلى ما نشره مركز حرمون عن (مبادرة لإعادة النظر في التشكيلات السياسية السورية المعارضة).

الخطوة التالية، والعملية، ستكون في ورشة العمل التي يعقدها مركز حرمون في اسطنبول على مدى يومين (الجمعة والسبت 20 – 21 يناير الجاري)، بعنوان (المعارضة السورية والمشروع الوطني الجامع: الواقع والآفاق) لمناقشة المحاور التالية:
أ - تجارب الكيانات السياسية المعارضة: عبر واستخلاصات.
ب - المراجعات المطلوبة والحاصلة.
ج - المبادرات المعروضة لإعادة البناء السياسي.
د - سبل إعادة بناء التيار الوطني الديمقراطي.
هـ - وجهات نظر الشباب في سبل إعادة بناء التيار الوطني الديمقراطي (استنهاض الحراك السلمي).

وتشارك في الورشة أسماء مستقيلة مؤخراً من الائتلاف، أو أعضاء حاليين فيه، إضافة إلى أعضاء سابقين، وهم:ميشيل كيلو، وفايز سارة، وموفق نيربية، ونغم الغادري، وسميرة المسالمة، وعبدالأحد اصطيفو، وعبدالباسط سيدا، وعبدالله تركماني. بالإضافة إلى الرئيس السابق للحكومة المؤقتة، أحمد طعمة، ومدير مركز حرمون، حازم نهار، من ضمن 20 مشاركاً، بينهم صحافيون، وناشطون في الثورة السورية.