صور شهداء الإمارات في عاصفة الحزم.(أرشيف)
صور شهداء الإمارات في عاصفة الحزم.(أرشيف)
الجمعة 20 يناير 2017 / 19:55

بين اليمن وأفغانستان: معاني التضحية والكرامة

الكتابة عن شهداء البلاد يجب أن لاتنتهي، ونسج اللوحة لا يغني عن تدبرها، وعلينا إن كنا نريد مواصلة النور أن نجدد إدراك قيمية رسالة الإمارات في كل حين

بالأمس ورد الخبر أن عدن ترسم صور شهداء الإمارات والسعودية، على عدد من المباني الحكومية، ضمن حملة "الشهداء لا يموتون"، التي ترعاها حملة "شكراً إمارات الخير ومملكة الحزم"، إذ انتهت المرحلة الثانية للجدارية بريشة عبيد محمد باعبيد، وشقيقته سمر محمد باعبيد، وذلك على جدران مبنى محافظ عدن. قرأت الخبر وفي القلب روح مزدوجة، ترفرف بجناحين إذا ما ذكر الشهداء، جناح في اليمن، وآخر في أفغانستان.

لا أدري على أيّ صفحة من صفحات المجد يفضل الشهداء أن يرقدوا، وعلى أي جنب كان مرقدهم، ولكني أدرك أنهم يغمضون عيونهم ليصلوا إلى فضاء من الراحة الأبدية وحياة ليست كمثل حيوات الفناء. وعلى دفاترنا نسجل مآثرهم الباقية والخالدة، ونحتفي بسيرتهم فهم آخر عهد السماء بنا، وآخر عهد العالم برسالة القيم السامية التي نحملها، والإمارات الولودة لا تزال تعطي في كل يوم درساً لكل الناس، فمن الشهادة في اليمن إلى الكرامة في أفغانستان، كيف نقرأ ما بين السطور.

حينما طلب الجار القريب، طارت قوافل الرجال وجحافل الجنود، متأبطين سلاح الشرف، رافعين رايات الوفاء، فصار للناس عهد جديد، لدول تحركها قيم العرب وأخلاق الصحراء الوفيّة لمعاني إخاء الدم، فاليمن نحن ونحن اليمن، وكان ما صار معروفًا لا يعاد، وحدث ما اشتهر بالخير والنصر والإباء، وسالت الدماء الطاهرة عربوناً لنصر لا يتأخر، ومجد لا يتزحزح، فكانت الإمارات العربية المتحدة، سلسلة التاريخ، على موعد مع وقفة باسم الكرامة، وعلى نصبٍ خالد، ارتفعت هامت البلاد في زمانٍ عزّت فيه القيم، ولكن هيهات لأبناء الأسود سوى مشية الغضنفر.

فهل بالسيف وحده مضى الذكر بين البشر؟ وهل رصاص الإرهاب والطيش والدمار القاعدي، ضرب الإمارات في اليمن فقط؟ هل لطاقة الظلاميين أن تتحمل اتساع الإمارات للحياة، ومشروعها التنويري المتمسك بأطيب الأصول القيمية؟ بالطبع وبالقطع لا، لن يقوى الظلام على رؤية النور، ولن يستطيع مهاجمته وجهاً لوجه، رجلاً لرجل، فهذه القيم، هي ما يهرب منها الإرهابيون، فكانت رصاصات الغدر، وتفجيرات الغيلة.

لقد مدت الإمارات كف الخير، عن اقتناع بالواجب، ولم تنتدب لأداء مهماتها الخيرية، سوى خلاصة الرجال من الأكاديميين والسفراء والديبلوماسيين، كل واحد منهم بألف رجل، خبراء الطاقة الذين اختاروا السفر من أجل الإنسانية والأيتام، والعطاء اللامحدود.

إن الرحلتين تمثلان رمزية باذخة الدلالة، وصورة كاملة الإيحاء، تمنحان الفرد رئة لتنشق كل المعاني التي لا تحتويها الكلمات، فالدم الذي يسيل لأجل حفظ شرعية الإنسان ورفض الارتهان لنفوذ دخيل وينتصر للأخ، هو ذاته الذي يسيل وهو يزرع الخير للجار البعيد، والحصاد الذي يريد الإرهاب أن نلقاه ألماً، يصير حلواً على قلوبنا لأنها قيم ومبادئ.

هذا الفصل الدقيق من تاريخ بلادنا، لا يسجل بصمت، بل عليه أن يحفر، لأنّ القيم هذه المرة تعلو شامخة والدروس التي تمنح بهذا العمق، يجب أن يكون طلابها أذكياء، فهنيئاً للتاريخ بوعد قادم، بجيل من العطاء والمحبة والتسامح، يتقدم للمستقبل.

الكتابة عن شهداء البلاد يجب أن لا تنتهي، ونسج اللوحة لا يغني عن تدبرها، وعلينا إن كنا نريد مواصلة النور أن نجدد إدراك قيمية رسالة الإمارات في كل حين، فبلادنا هذه تكبر بروحها وتتسع بفضائها، وهي تنتصر لأنها إرادة الخير.