الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الأحد 22 يناير 2017 / 11:20

هل ما زلنا في دائرة اهتمام أمريكا؟

الشرق الأوسط - سوسن الشاعر

نقطتان يجب أن نضعهما نصب أعيننا ونحن نرسم أسس العلاقة الأمريكية الخليجية الجديدة، الأولى: هل أمريكا ما زالت هي أمريكا؟ وهل دول مجلس التعاون ما زالت في دائرة الاهتمام الأمريكي؟.

في الحقبة الثانية لولاية أوباما كثرت الدراسات والنظريات والأبحاث التي تتناول انحسار نفوذ الولايات المتحدة العالمي، كانعكاس للسياسة الخارجية التي اختارتها إدارته وهي سياسة "النأي بالنفس"، أو كما سمتها بعض الدراسات الأمريكية سياسة "التوازن الإقليمي" التي طرحها جون ماشماير وستيفن والت، التي أبعدتها عن اتخاذ قرارات حاسمة في الشرق الأوسط وفي أوروبا وفي شرق آسيا، وآثرت أن تبقي قواتها على حاملات الطائرات ولا تتدخل لفك الصراعات وليتجاوز من يريد الخطوط الحمراء كما يشاء، حتى بدأ الأمريكان أنفسهم يطرحون التساؤلات حول إمكانية تراجع مكانتها الدولية نتيجة هذه السياسة، السؤال الذي طرح نفسه: هل لتلك السياسة أثر على المواطن الأمريكي، أم يقتصر أثرها على سمعة وصيت ومكانة الولايات المتحدة فحسب؟.

في بداية عام 2015 ظهر كتاب أثار ضجة في الولايات المتحدة عنوانه "هل انتهى القرن الأمريكي" لجوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، يناقش الكتاب ثلاث نظريات لثلاثة تيارات، الأول يقول إن النفوذ الأمريكي في القرن الحالي سينحسر، وإن الصين هي القوة الصاعدة، والتيار الثاني يقول إن أمريكا ستظل في الصدارة رغم أن المنافسة ستكون شديدة، وعلى رأسها الصين، أما الثالث فيقول إن القرن المقبل لن تكون فيه قوة مهيمنة أو قطبية، بل سيفتح المجال لأطراف أخرى مقبلة كالهند، إذن موقع الولايات المتحدة أصبح موضع تساؤل، ليس منا بل من الأمريكيين أنفسهم، أما انعكاس هذا الانحسار على مستوى معيشة المواطن الأمريكي، فأجاب عنه كتاب "الأمة المستغنى عنها" لوالي نصر رداً على مقولة بيل كلينتون الشهيرة "إن أمريكا أمة لا استغناء عنها"، خلاصة هذا الكتاب تصل إلى هذه النتيجة: "وعلى عكس ما تتوقعه الإدارة الأمريكية، فإن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وعدم إيلائها التطورات التي تشهدها الاهتمام الكافي سيلحق الضرر بالصورة والمكانة الأمريكية عالمياً، بما يظهرها عاجزة عن حل القضايا والأزمات في منطقة كانت حكراً عليها لعقود، وستتركها لقوى صاعدة وأخرى منافسة لواشنطن في المنطقة، وهي قوى تسعى للاستفادة من السوق العربية لتوسيع اقتصادها والتمتع بنفوذ قوي في المنطقة بما يؤهلها للعب دور عالمي بدت ملامحه في تنامي الدور الروسي والصيني في الأزمتين السورية والإيرانية، وهذا لا يصب في مصلحة الحفاظ على القوة الأمريكية واستعادة ريادتها عالمياً بعد تدهورها وتراجعها خلال سنوات حكم بوش الابن الثماني".

دعك من سمعتها وصيتها وقِف عند الأسواق العربية إيراداً وتصديراً وإعادة تصدير وغيره، وبناء على ما توصل إليه والي نصر، فإن نجحنا في قياس حجم المصالح الأمريكية في دول مجلس التعاون وانعكاسها على معيشة المواطن الأمريكي، فإن مهمة الحفاظ على استقرار منطقة الخليج وحماية أمنها، لن تكون تفضلاً من الولايات المتحدة على أنظمة المنطقة الخليجية وشعوبها، حتى يطالب السيد ترامب بقيمة هذه الحماية إن وفرتها، فالثمن الذي يطالب بدفعه لا يذكر مقابل القيمة التي سيتحصل عليها الأمريكي دافع الضرائب وعلى جيبه ووظيفته وخدماته الصحية والتعليمية وغيرها، هذا ما نحتاج أن نقدره ونثمنه ونعرضه كي تصبح علاقتنا مبنية على مقدار مساهمتنا في رفاهية المواطن الأمريكي، مقابل مقدار مساهمة الولايات المتحدة في رفاهية المواطن الخليجي وأمنه.

فالوجود العسكري الأمريكي والقرارات التي اتخذتها الإدارات الأمريكية السابقة في الصراعات الإقليمية، اتفقنا أو اختلفنا معها، أيدناها أو رفضناها، هي في الآخر من منح الولايات المتحدة الامتيازات في الأسواق العالمية، تلك هي القضية، لتزيح بنفوذها العسكري أي طرف آخر وتضعه في الصف الثاني سوقياً، أوروبياً كان أو روسياً أو صينياً.

أمريكا خسرت الصدارة في كثير من الأسواق في كل المواقع التي حاول أوباما الانسحاب منها عسكرياً وتركها لصراعاتها تقليلاً للنفقات، فتلك المواقع التي انسحبت منها الولايات المتحدة أو التي خفضت وجودها أو التي امتنعت عن التدخل في صراعاتها، هي أسواق للسلع الأمريكية أولاً وأخيراً، وهي مورد لسلع يستهلكها المواطن الأمريكي من جانب آخر، وهي موطن لرؤوس استثمارية تجد لها طريقاً في السوق الأمريكية، وهي مواقع لمئات الآلاف من الجنود الأمريكيين، ودون نفوذ أمريكي تفرضه القوى العسكرية الأمريكية لن تجد الولايات المتحدة نفسها في صدارة المستفيدين من هذه الأسواق.

يعتقد طلاب المدارس الأمريكية الذين عينوا بمناصب استشارية إبان الحقبة الكارثية الأوبامية أنهم بنصيحتهم للإدارات الأمريكية بالانسحاب العسكري وبالابتعاد عن التدخلات العسكرية لوقف النزاعات، أنهم ساهموا في تقليل النفقات وحموا الجنود الأمريكيين، وذلك بالنسبة لهم إنجاز، لكنهم لم يحسبوا حساب الامتيازات الذي تمتع به ميزان التجارة الأمريكية والاستثمار المرتبط حين ذاك بقوة ذلك النفوذ.