الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي ووزير الخارجية الأمريكية السابق هيلاري كلينتون.(أرشيف)
الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي ووزير الخارجية الأمريكية السابق هيلاري كلينتون.(أرشيف)
الإثنين 23 يناير 2017 / 20:16

الأمريكان والإخوان.. محاولة لتفسير علاقة عميقة

لعل في كشف الوثيقة تذكيراً وتأكيداً بأن خيار واشنطن في دعم الإخوان وتمكينهم ليس توجهاً مزاجياً يخضع لقرار الرئيس أو هواه العقائدي، بل هو خيار وقرار تفرضه المصلحة الأمريكية

 لا يحتاج الارتباط القائم بين جماعة الإخوان المسلمين والمشروع الأمريكي في المنطقة إلى تفسير أو تبرير، لأن هذا الارتباط الواضح في تجلياته السياسية يقوم على أساس تقاطع المصالح والرؤى لطرفي العلاقة تجاه حاضر المنطقة ومستقبلها، ذلك أن المطلوب أمريكياً هو وجود أنظمة حكم رجعية مرتبطة عضوياً بالسياسة الأمريكية في الإقليم، وملتزمة تماماً بهذه السياسة وقادرة على ترجمتها واقعياً، بينما المطلوب إخوانياً هو الحيلولة دون وصول قوى تقدمية أو وطنية للحكم والتأسيس لقيام دول دينية تلتقي في توجهاتها وبرامجها مع المشروع الغربي المتضرر من استقلالية القرار الوطني في دول الإقليم.

في السنوات السابقة لفوضى الربيع، دأب الإخوان على إنكار هذه العلاقة، وإن كانوا يعترفون بتقاطع المصالح، ليس مع الولايات المتحدة فقط، ولكن مع أنظمة اليمين السياسي الحاكمة بحماية أمريكية، حيث كانت "الجماعة" في الخمسينات والستينات من القرن الماضي تهب لتقديم خدماتها "الجليلة" لهذه الأنظمة في حملاتها الأمنية ضد الشيوعيين والقوميين في أكثر من بلد عربي.

لكن الجماعة، وبعد تمكينها أمريكياً من السطو على مخرجات الثورات الأخيرة في بعض بلاد الربيع، صارت تجاهر بالعلاقة مع واشنطن، وتترجم ارتباطها بالمشروع الأمريكي من خلال العمل على هدم الدولة الوطنية، ومحاولة شطب الهوية العربية للدولة وتوتير العلاقات أو قطعها مع المحيط العربي، مثلما حدث إبان قرار الرئيس المصري الإخواني المعزول محمد مرسي الذي قطع العلاقات مع سوريا واحتفظ في الوقت نفسه بعلاقات القاهرة مع تل أبيب ملتزماً باتفاقية كامب ديفيد.

من جهتهم، لم يخف الأمريكيون احتضانهم للإخوان، بل إن موقف واشنطن من ثورة 30 يونيو التي استعادت الدولة المصرية من خاطفيها، كان موقفا مستفزاً وواضحاً في الدفاع عن حكم الجماعة وعن "حق الإخوان في التفرد بحكم الدولة" لأنهم فازوا في انتخابات رأت واشنطن أنها ديمقراطية.

وفي وثيقة سرية يعود تاريخها إلى العام 1986، وقد تم رفع غطاء السرية عنها أخيراً، تعترف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي أي إي" بأن واشنطن رأت في الإخوان المسلمين بديلاً للقوى الأخرى "المتطرفة" ولذلك فإنها ضغطت على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك لمنحهم شرعية العمل في البلاد، وهو ما رفضه مبارك الذي اشترط على الجماعة، لكي تحصل على الشرعية، أن تتخلى عن العمل السياسي وتحصر نشاطها في العمل الدعوي، وأن تتوقف عن محاولة تجنيد أعضاء في صفوف القوات المسلحة.

وتشير الوثيقة إلى أن الأمريكيين كانوا يعرفون في وقت مبكر بأن الإخوان لا يلتزمون بوعودهم وقد ينقلبون على حلفائهم في لحظة حاسمة، لكنهم رغم ذلك كانوا يعرفون أن إضعاف الجماعة لا يخدم المصالح الأمريكية، لأن المجموعات المتطرفة قادرة على ملء الفراغ الذي يتركونه بحسب ما جاء في الوثيقة، وفي هذا التقدير الأمريكي ما يثير الحيرة والتساؤل بشأن موضوعية هذا الاستنتاج في ظل المعلومات التي كانت متوافرة في ذلك الوقت حول قدرة الجماعة على تفريخ المتطرفين ومجموعاتهم العاملة في أكثر من بلد.

لكن ما يدعو للتساؤل أكثر من أي شيء آخر هو الكشف عن هذه الوثيقة في هذا التوقيت تحديداً، وبعد انتقال مفاتيح السلطة في الولايات المتحدة من باراك أوباما ووزيرة خارجيته المحبة للإخوان هيلاري كلينتون إلى دونالد ترامب الذي يتبنى خطاباً علنياً معادياً للإسلام والمسلمين. ولعل في كشف الوثيقة تذكيراً وتأكيداً بأن خيار واشنطن في دعم الإخوان وتمكينهم ليس توجهاً مزاجياً يخضع لقرار الرئيس أو هواه العقائدي، بل هو خيار وقرار تفرضه المصلحة الأمريكية التي توجب وجود هذه العلاقة العميقة مع الجماعة الأقدر على تبني مشروع الدولة الدينية المنغلقة في الشرق الأوسط الذي يعمل الأمريكيون على تلقيمه القبول بيهودية الدولة الاحتلالية إسرائيل.