فيلم مستوحى من رواية  ساحر أوز.(أرشيف)
فيلم مستوحى من رواية ساحر أوز.(أرشيف)
الإثنين 23 يناير 2017 / 20:08

الإعلام .. تلك النظارة الزمردية

يوماً ما سيخلع الناس النظارات الزمردية، أو ربما ستظهر لهم دروثي لتخلع النظارات الزمردية عن أعينهم وتكشف لهم حقيقة الساحر أوز الذي لا يعدو أن يكون رجل استعراض وإبهار وحيلة وخداع

في رائعة فرانك بوم "الساحر أوز" التي كتبها مطلع القرن الماضي أو ربما نهاية القرن قبل الماضي كان أهل مدينة الزمرد التى أقامها الساحر أوز سعداء في الظاهر، لكن هذه السعادة كانت مجرد مظهر خادع، لأن كل من يعيش فى مدينة الزمرد كان يجب أن يضع على عينيه نظارة خضراء كي لا يتمكن من رؤية حقيقة المدينة. فالمبرر الذي أقنع به الساحر أوز أهل المدينة بوضع النظارة هو أن من لا يضع تلك النظارات سوف يصيبه بريق مجد المدينة بالعمى.

لم تعد الحاجة إلى النظارة الزمردية قائمة. الإعلام يفي بالغرض. الإعلام بشاشته الفضية، وسلطته الرابعة، وفنونه السبعة أو التسعة، وأثيره الممتد، وفضائه المفتوح، وشبكاته المتداخلة، وعالمه الافتراضي، وتواصله الاجتماعي يقيد الحياة ويمتلك أسباب التأثير.

الإعلام بسطوة الكلمة المكتوبة، وسلطة المصدر المسؤول، وإبهار الصورة المرسومة، وإغواء الصورة الحية، يمارس سطوته وسلطته قسراً، ويفرض إبهاره وإغواءه فرضاً، فليست تسلم منه العقول والعواطف على حد سواء، ويتبعه العامة دائماً والنخبة أحياناً.

لن يهتف الإعلام في هذا الزمن "لا أريكم إلا ما أرى، ولا أسمعكم إلا ما أقرر أن تسمعوه، ولا أهديكم إلا سبيل الإعلام". لن يقولها بشكل مباشر، لكنه لن يسمح لك أن ترى بعينيك أو تسمع بأذنيك، سوف يسمعك كلمة المسؤول ولو لم تسمعها ويسمع المسؤول تصفيقك ولو لم تصفق، سوف يريك حزن الشعب على موت الرئيس ولو لم يحزن، ويريك احتفاله بالرئيس الجديد، ولو لم يعرف الشعب سوى أن الملك عاش أو مات.

ثمة كلمة تقول: إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. الإعلام يستطيع لكن التاريخ هو الوحيد القادر على أن يوقف هذا الخداع، ويوماً ما سيخلع الناس النظارات الزمردية، أو ربما ستظهر لهم دروثي لتخلع النظارات الزمردية عن أعينهم وتكشف لهم حقيقة الساحر أوز الذي لا يعدو أن يكون رجل استعراض وإبهار وحيلة وخداع، أو باختصار "رجل إعلام" عندها سيفعلون ما فعلته "دروثي" التي عادت إلى البراري الرمادية، غير آسفة على اخضرار خلبي خادع.